الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في الاحتجاج بشرع من قبلنا، فذهب بعض الأصولين إلى أنه ليس بحجة مستدلين بقول الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً {المائدة: 48}. وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. رواه مسلم. وذهب الجمهور إلى أنه حجة، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى:.. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{الأنعام: 90}. وبما في صحيح البخاري وغيره: أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية امرأة فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالقصاص فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال: يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا.. الحديث. والذي في كتاب الله تعالى هو ما كتبه الله تعالى في التوراة على أهل الكتاب من قبلنا في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ{المائدة: 45}. فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بشرائع الأنبياء السابقين إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي استدلوابها. وذهب بعضهم إلى التفصيل فقال: إن شريعة إبراهيم وما ورد في القرآن والسنة من شرائع الأنبياء على وجه المدح والتقرير والسكوت عليه دون مخالفة فهو حجة يجب الأخذ بها لقول الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً {النحل: 123}. وإلى هذا الخلاف أشار ابن عاصم المالكي الأندلسي في مرتقى الأصول بقوله:
وقيل هل في شرع من عنا مضى * شرع لنا في غير ما الشرع اقتضى
بالمنع، والجواز، والتفصيل * بمنع غير شرعة الخليل.
والراجح ـ إن شاء الله تعالى ـ هو مذهب الجمهور لكثرة الأدلة ووضوحها وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يكن في شرعنا ما يخالفه، كما قال أهل العلم.