الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث متفق على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا مالكا.
وهذا الحديث يعني أن الأمور تبع لمقاصدها، فالذي يدعي أنه يهاجر إلى الله ورسوله وهو يريد غرضا آخر، فإنه مذموم من حيث كونه يظهر من العبادة خلاف ما يبطن، وأما من هاجر يطلب التزويج، أو يريد الهجرة إلى الله والتزويج معا ولم يبطن من القصد خلاف ما يظهر، فليس في فعله هذا مذمة، قال ابن حجر في "فتح الباري": فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة، فإنه يثاب على قصد الهجرة، لكن دون ثواب من أخلص، وكذا من طلب التزويج فقط، لا على صورة الهجرة لله، لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف...
ومن هذا تعرف أن من سافر للزواج بفتاة متدينة، وقد أعجب بدينها وخلقها، وهو يريد إعانتها على أمر دينها، وهو إنما أحبها لأجل حرصها على دينها وتمسكها به، وأراد أن تكون زوجته في الجنة، أنه لا يعتبر من الذين كانت نيتهم للدنيا فقط. بل هو مأجور عند الله تعالى بما أراده من الخير وإعفاف النفس.
وليس في هذه الإرادة أي تعارض مع الحديث المذكور، كما تبين من الشرح الذي بينا.
والله أعلم.