الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ورد في صحيح مسلم وغيره عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث كل عبد على ما مات عليه. وفي الديباج على مسلم: يبعث كل عبد على ما مات عليه أي على الحالة التي مات عليها.
وقد اختلف أهل العلم في شرح هذا الحديث، فمنهم من فسره بأن الميت يبعث في الأكفان التي كفن بها، ومنهم من رأى هذا خاصاً بالشهيد في سبيل الله، ومنهم من رآه فيه وفي من مات محرماً، ولك أن تراجعي في أقوالهم: تحفة الأحوذي وفتح الباري وعون المعبود.
ومنهم من رآه في كل إنسان، قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: إن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله، وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه، وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا، ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه. وقال الحكماء: إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سبباً لأعظم الآلام الروحانية.
وفيه أيضاً: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) أي على الحال التي مات عليها من خير وشر قال الهروي: وليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشيء، لأن الإنسان إنما يكفن بعد الموت. ثم هذا الحديث يوضحه حديث أبي داود عن عمر وقيل: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد والغزو، قال: إن قتلت صابراً محتسباً بعثت صابرا محتسباً وإن قتلت مرائياً مكاثراً بعثت مرائياً مكاثراً على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله بتلك الحال، وفي حديث أبي هريرة عن أنس مرفوعاً: من مات سكراناً فإنه يعاين ملك الموت سكراناً ويعاين منكراً ونكيراً سكراناً ويبعث يوم القيامة سكراناً إلى خندق في وسط جهنم يسمى السكران. قال عياض: أورد مسلم هذا الحديث عقب حديث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله مشيراً إلى أنه مفسراً له ثم أعقبه بحديث ثم بعثوا على أعمالهم مشيراً إلى أنه وإن كان مفسراً لما قبله لكنه عام فيه وفي غيره.
وعليه، فالراقصة إذا ماتت وهي ترقص، فلا مانع من أن تبعث وهي ترقص، مع أن الموضوع مختلف فيه، كما رأيت.
والله أعلم.