الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته عن هذا العمل من المخالفات الشرعية، التي منها التعامل مع موظفات مسيحيات وكاشفات الكثير من أجسادهن، والاتصال الشفوي غير المنضبط، مثل السباب والمزاح غير الأخلاقي، وتأجيل الصلوات عن موعدها لحين الانتهاء من اجتماع أو علاج مشكلة ما، وأن الشركة التي تعمل فيها تقوم بتجهيز أجهزة حاسوب يتم تزويدها بنسخ برمجيات غير أصلية، مما هو سرقة، وتعاون على الإثم والعدوان على حقوق الغير... كلها أمور توجب عليك التنحي عن هذا العمل والبعد عنه دون انتظار.
وما قرأته من الفتاوى المتعلقة بالصبر على مصدر الرزق إن لم يكن شرعيا كالعمل في البنوك الربوية، أو العمل في التصوير، أو التعامل مع الموسيقى ... إلخ إلى أن يتوفر المصدر الشرعي، هو في الحقيقة غير صحيح، أو لعلك لم تقرأ الشرط الذي يباح معه البقاء في مثل تلك الأعمال.
والذي يقرره أهل العلم وهو المفتى به عندنا، هو تحريم العمل في الأماكن المثيرة للفتنة، وتحريم العمل في المؤسسات ذات الأنشطة المحرمة، لأن العمل فيها هو تعاون على الإثم والمعصية، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . [المائدة :2].
وقد أباح أهل العلم العمل في مثل الحالات المذكورة إذا اضطر المرء إليها للاحتياج إلى نفقته أو الإنفاق على من تجب نفقته عليه، ولم يجد غيرها. وذلك من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، لا أن هذا مباح في الأصل.
وعليه، فما أخذته من قرارا بالاستقالة والهجرة إلى الله، هو واجبك في مثل الحالة التي ذكرت، ولا تتريث إلى أي حين، وعليك بتقوى الله والتوكل عليه، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ الطلاق: 2-3].
واعلم أن المرء في امتحان دائم من الله تعالى، فهو يختبر بالنعمة لتقاس درجة شكره لها أو كفرانه لها، ويختبر بالمصائب والحرمان، ليقاس درجة صبره عليها أو جزعه منها. قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35].
وقياس ما إذا كان الذي أنت فيه مكر من الله أم لا، إنما يكون بقياس ما أنت عليه من اتباع أوامر الله والانقياد لها، أو البعد عنها والوقوع فيما نهى الله عنه.
والله أعلم.