الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما بينته من حال هذين الشخصين اللذين تصادقت معهما وقد ذكرت أنهما يغتابان الناس ويقعان في أعراض النساء بدون بينة، ويتضايقان من النصيحة، ويتغامزان ويتلامزان وبهما كبر واحتقار لبعض الناس، ثم صارا يسخران من لحيتك ومن الملتحين ويفعلان حركات استهزاء باللحية، وقد أدى حالهما معك إلى ما ذكرته من إحساس بأن إيمانك والتزامك بدأ في الانخفاض والتراجع، وأنك بدأت تقترف بعض الذنوب من جراء مخالتطك لهما... إلى آخر ما ذكرته من حالك معهما، كله يحتم عليك الابتعاد عنهما وترك مخالطتهما.
وعليه؛ فما قررته من مقاطعتهما وأن لا يكون بينك وبينهما غير السلام فقط، هو الصواب، ولست مخطئاً إذاً فيه، مع أن الأصل حرمة هجران المسلم فوق ثلاث، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
ولكن أهل العلم قد أباحوا الهجر فوق ثلاث لمن كانت مكالمته تجر ضرراً على المرء، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.
وأقر العلماء أن من أسباب الهجر الشرعي فوق ثلاث هجران أصحاب المعاصي المجاهرين بها، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن غزوة تبوك من غير عذر، كما في قصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، وما يقوله لك والدك من مداراة الناس ما دمت في دارهم، وأن لا تجلب لنفسك المشاكل، وينبغي ألا يكون على حساب تغيير المنكر، كما ينبغي تنبيه الوالد على أن ذلك لا يتنافى مع وجوب ابتعادك عما يجلب لك الضرر، ومقاطعة أهل السوء.
والله أعلم.