الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد شدد الإسلام في وجوب صلة من الرحم وحذر من قطعها، وجعل ذلك من المحرمات، قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد: 22}.
قال ابن كثير في تفسيره: وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً وعن قطع الأرحام خصوصاً، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال.
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل فقال: مه، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذلك لك.
ومن هذا يتبين لأمك وخالتك وزوجتك حرمة ما هن عليه من التقاطع، وبالتالي فالواجب عليهن المبادرة إلى التوبة لأن الهجر إذا كان ممنوعاً بين المسلمين عموماً فهو بين أولي الأرحام أشد حرمة، وعليك أن تسعى للصلح بين الجميع، لأن ذلك يدخل في باب النصيحة للمسلمين وتغيير المنكر، وما كان لوالدتك أن تهجر زوجتك أو تقاطعها من أجل أن أمها تقاطعها أو بينها وبينها شحناء.
كما لا يجوز لك أنت أيضاً أن تهجر زوجتك لمجرد أن والدتك لا تحبها ومقاطعة لها، والخلاصة أن الخلاف الواقع بين أمك وبين أختها أم زوجتك، وما يترتب عليه من قطع وهجر لا يبرر لك هجر زوجتك ولا يسوغ لأمك قطعها إذ لا ذنب لها في ذلك، ولا تعامل بمقتضاه ، ولا يجوز لها هي أيضاً أن تهجر أمك من أجل الخلاف بينها وبين أمها، وإن هجرتها لذلك أو لأمر آخر لا يبرر لها شرعاً هجرهاً فلك أنت أن تأمرها بصلتها.
ويجب عليها أن تطيعك في ترك قطيعة والدتك، ولأن طاعتك واجبة عليها في المعروف، ولا شك أن صلة الخالة من آكد المعروف وأولاه، فإن لم تستجب لذلك فهي عاصية، ويطبق عليها حكم النشوز المبين في الفتوى رقم: 1103.
والله أعلم.