الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله للأخ السائل ثقته فينا، ونسأل الله أن نكون أهلاً لهذه الثقة، ونشكر للأخ الكريم كذلك بره بوالدته وحرصه على رضاها والإحسان إليها.
وأما عن جواب سؤاله فنقول: إنه لا يخفى أن الوسائل لها أحكام المقاصد، ولا ريب أن عملك في نهاية الأمر يصب في مصلحة البنك وترويج خدماته الربوية، فالمعروف أن أعمال البنك وخدماته لا يستقل بها فرد، بل يقوم بها فريق كل بحسبه حتى حارس البنك وموظف الاستقبال له في ذلك نصيب.
وكل من أعان على منكر أو إثم فهو مشارك لصاحب المنكر، وقد نهى الله تعالى عن الإعانة على الإثم بقوله: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
وورد أنه لعن في الخمر عشرة.. فلم يلعن الشارب فقط، بل لعن العاصر والحامل وغيرهما ، كل ذلك لأنهم أعانوا شاربها على شربها.
فهل عملك فيه إعانة للبنك على معاملاته الربوية؟ الجواب: نعم.
والحديث الذي أشرت إليه فيه تنصيص على الكاتب والشاهد، وغيرهما ممن يعين على الربا يقاس عليهما، ولهذا قال العلماء كالإمام النووي: في الحديث دليل على منع الإعانة على الباطل بوجه من الوجوه.
فالمقصود أنه يجب عليك ترك هذه الوظيفة، والعمل في وظيفة أخرى لا حرج فيها شرعاً، ولو كانت أقل أجراً، فإن الله تعالى يبارك في القليل الحلال ويمحق الكثير الحرام.
وثمة فائدة نلفت انتباه السائل إليها وهي: يحمد في الأسرة أن تكون قائمة على الشورى والمشاورة، ولكن ذلك لا يمنع أن ينكر بعضهم على بعض ما وقع فيه من منكر، ويأمر بعضهم بعضاً بالمعروف. قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ {طه: 132}. وقال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ {لقمان: 17}.
فالواجب على والدك وإخوانك إذا رأوك ترتكب منكراً أن ينكروا عليك حسب استطاعتهم، لا أن يتركوك وشأنك بحجة ديمقراطية الأسرة، إذ واجب الشرع والرحم يقضيان إعانتك على الخير وحجزك عن ظلم نفسك أو غيرك.
والله أعلم.