الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك الهداية والتوفيق، وأن يزيل عنك الهموم والغموم، ويذهب عنك وساوس الشيطان، فإنه لا هم له في هذه الدنيا سوى إغواء بني آدم، وفد أقسم على ذلك فقال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ {النساء: 118-119} وإن للشيطان جنودا من الإنس وجنودا من الجن، فينبغي للمسلم أن يحذر من شياطين الإنس وشياطين الجن، وقد بين الله سبحانه وتعالى سبيل الحذر من شياطين الإنس وذلك بالابتعاد عنهم وعدم مجالستهم وعدم الإصغاء إلى شبههم وأباطيلهم، والاستعانة بصحبة الأخيار، كما في قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} وأما عن شياطين الجن فقال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت: 36}
ولتعلمي أيتها الأخت الكريمة أنه لا يكون المرء مؤمنا حقا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. أخرجه النووي في كتاب الحجة وصححه ووافقه ابن حجر، ويشهد لذلك الأصل قوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}
فعليك أن تذعني لأحكام الشارع وتسلمي لها تسليما، ولا يكن في صدرك حرج من ذلك، وسبب الضيق والحرج الذي تجدينه عند ارتداء ملابس الحشمة والعفة والحياء هو الإعراض عن ذكر الله وعدم أداء العبادات كما ينبغي، فقد قال العلماء من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإن في صلاته خللا، لقوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت:45} فمن أدى الصلاة كما أمر وذكر الله عز وجل فحري به أن لا يقدم على منكر ولا يعرض عن معروف، وكذلك في الحج والصوم وغيرها من القرب فلا بد فيها من الإتيان بها على الوجه الصحيح لتنفع صاحبها فهي دواء ولا بد ان يستعمل الدواء كما وصف الطبيب ليؤدي مفعوله، ولا بد أن تتيقني أن الحكمة البالغة هي فيما شرعه الله عز وجل: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فليست المسألة مسألة رجل وامرأة ، هي تغطي شعرها وتستر جسدها، وهو يكشف ذلك، لا وكلا، فإن الله سبحانه وتعالى لما خلق المرأة وصورها أحسن صورتها وأودع فيها من الجمال والإغراء ما تفتتن به النفوس وتذوب له المهج، وجعل في غريزة الرجل الميول إليها والرغبة فيها، فهو طالب وهي مطلوبة، وأحب الشيء إلى الإنسان ما مُنِع، ومن الأسباب التي تقوي الرغبة في نفس الرجل وتشده إلى المرأة حجابها وعفتها وعدم ابتذالها، وقد بينا في الفتوى رقم: 19026 والفتوى رقم: 55578 بعض تلك الحكم، وأما الرجل فقد كلف بتكاليف عظيمة وأمر بأوامر جسيمة وسيحاسب عليها يوم تجزى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
وللاستزادة عن تكريم الإسلام للمرأة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5729.
والله أعلم.