الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد
فالأصل في الرشوة هو الحرمة قال تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ. {المائدة: 41}، قال الحسن وسعيد بن جبير: هو الرشوة
وقال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188}.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي .رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وفي رواية (والرائش) وهو الساعي بينهما.
وتجوز الرشوة عند الجمهور في حالة ما إذا كان الشخص لا يستطيع أن يتوصل إلى حقه أو يدفع الضرر عن نفسه إلا بها , ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي، فقد ورد في الأثر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان بالحبشة فرشا بدينارين، حتى خلي سبيله، وقال: إن الإثم على القابض دون الدافع .
وفي كلا الحالتين فإن الرشوة حرام على المرتشي فيلزمه أن يتوب إلى الله من ذلك.
وإذا كان الراشي قد دفع الرشوة بحق فيجب على المرتشي أن يعيد المال إلى من أخذه منه أو يستسمحه، فإن سامحه فلا يلزمه التصدق بذلك، وحينئذ لا يجوز التصدق بالرشوة إذا كان صاحبها معلوما، وإذا لم يكن معلوما بعد البحث والتحري فليتصدق بالمال في وجوه الخير ومصالح المسلمين، ومن ذلك صرفه للفقراء والمساكين
وإذا كان الراشي قد دفع الرشوة بغير حق فهل يعيد المرتشي المبلغ له أم يتصدق به في وجوه الخير؟ ذهب الأكثرون إلى الأول، وذهب بعض أهل العلم إلى الثاني، وهو المفتى به عندنا في الشبكة لأن الراشي دفع ما دفعه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا ينبغي أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتشجيعاً لأصحاب المعاصي على معصيتهم، وقد بينا في الفتوى: 24332
وإذا كان المرتشي لا يملك ما يرده إلى أصحابه - في حالة العلم بهم - أو ما يتصدق به - في حالة عدم العلم بهم أو كان الراشي رشا بغير حق - فإن ذلك يبقى في ذمته حتى يجد المال الكافي لذلك.
والله تعالى أعلم.