الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج ابنة لأبي إهاب ابن عزيز فأتته امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل أبي إهاب يسألهم، فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا، فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل. ففارقها ونكحت زوجا غيره. رواه البخاري وبنحوه مسلم في صحيحيهما.
قال ابن حجر في الفتح: قوله: كيف وقد قيل، فإنه يشعر بأن أمره بفراق امرأته إنما كان لأجل قول المرأة أنها أرضعتهما، فاحتمل أن يكون صحيحاً فيرتكب الحرام، فأمره بفراقها احتياطاً على قول الأكثر. وقيل: بل قبل شهادة المرأة وحدها على ذلك.
فالاحتياط أن تعتبرها محرماً في النكاح لأن من أهل العلم من جعل الرضاع محرماً ولو دون خمس، مع الاحتياط أيضاً في باب الخلوة والسفر، فتعتبر أجنبية.
وهذا كله من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
قال الهيتمي في تحفة المحتاج: ولو شك هل رضع خمساً أم أقل أو هل رضع في الحولين أم بعد فلا تحريم. لأن الأصل عدمه، ولا يخفى الورع هنا، وحيث وقع الشك للكراهة حينئذ -كما هو ظاهر- ما مر أنه حيث وجد خلاف يعتد به في التحريم وجدت الكراهة، ومعلوم أنها هاهنا أغلظ، لأن الاحتياط هنا ينفي الريبة في الأبضاع المختصة بمزيد احتياط، ثم في المحارم المختصة باحتياط أعلى فتأمله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما إذا شك في صدقها أو في عدد الرضعات فإنها تكون من الشبهات، فاجتنابها أولى.
والله أعلم.