الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العلماء قد قسموا النذور إلى سبعة أقسام، قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن النذر سبعة أقسام:
أحدها: نذر اللجاج والغضب وهو الذي يخرجه مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه غير قاصد به للنذر ولا القربة فهذا حكمه حكم اليمين،
والقسم الثاني: نذر طاعة وتبرر، وهذا القسم ثلاثة أنواع: أحدها: التزام طاعة في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها؛ كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة المتلزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم. النوع الثاني: التزام طاعة من غير شرط، كقوله ابتداء: لله علي صوم شهر فيلزمه الوفاء به في قول أكثر أهل العلم، النوع الثالث: نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كالاعتكاف وعيادة المريض فيلزم الوفاء به..
القسم الثالث: النذر المبهم، وهو أن يقول لله علي نذر، فهذا تجب به الكفارة في قول أكثر أهل العلم، وروى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعائشة وبه قال الحسن والقاسم وسالم والشعبي ومالك والثوري ومحمد بن الحسن. قال: ولا أعلم له مخالفاً إلا الشافعي قال لا ينعقد نذره ولا كفارة فيه، لأن من النذر ما لا كفارة فيه، ولنا ما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر إذا لم يسمه كفارة اليمين. رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح غريب، ولأنه نص وهذا قول من سمينا من الصحابة والتابعين ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفاً.
القسم الرابع: نذر المعصية، فلا يحل الوفاء به إجماعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، ولأن معصية الله لا تحل ويجب على الناذر كفارة يمين، روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران بن حصين وسمرة بن جندب وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه، فإنه قال في من نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة لا كفارة عليه، وهذا في معناه وروي هذا (أي أنه لا كفارة في نذر المعصية) عن مسروق والشعبي وهو مذهب مالك والشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد. رواه مسلم.
وذكر رحمه الله الأحاديث الصحيحة الدالة على أنه لا نذر في المعصية وقال: ولم يأمر بكفارة.
القسم الخامس: المباح كلبس الثوب وركوب الدابة وطلاق المرأة على وجه مباح فهذا يخير الناذر فيه بين فعله فيبر بذلك، وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين.. إلى أن قال: وقال مالك والشافعي: لا ينعقد نذره لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى.
القسم السادس: نذر الواجب، كالصلاة المكتوبة، فقال أصحابنا: لا ينعقد نذره وهو قول أصحاب الشافعي، لأن النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم.
القسم السابع: نذر المستحيل كصوم أمس، فهذا لا ينعقد ولا يوجب شيئاً، ولا يتصور انعقاده ولا الوفاء به، فلو حلف على فعله لم تلزمه كفارة فالنذر أولى. انتهى من المغني بتصرف
وللفائدة يرجى الإطلاع على الفتوى رقم: 1125.
والله أعلم.