الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن العدل في العطية والهبة بين الأولاد واجب على الصحيح، لما بيناه في الفتوى: 6242 . فتجب التسوية بينهم خصوصاً إذا خيف من عدمها الضرر وقطيعة الرحم، وهو أمر متوقع الحصول في غالب الأحوال، وإذا كانت التسوية واجبة بين الأولاد، فإنه يحرم على الوالد أن يميز أحدهم بشيء إلا بإذنهم ورضاهم.
وقد أجاز بعض العلماء، ومنهم الإمام أحمد جواز المفاضلة بينهم إذا كان أحدهم أكثر حاجة وأشد فقراً أو ذا دين لا يقدر على سداده ونحو ذلك، فيجوز حيئنذ أن يخص ويفضل في العطية لحاجته. نقل ذلك الشوكاني في نيل الأوطار وابن قدامة في المغني.
وما ذكرت من حاجة الأولاد وفقرهم، وكون البنات متزوجات لعله مما يدخل في ذلك الباب، إلا أنه ينبغي للأب أن يرضي البنات ويشعرهم بأن ذلك ليس لحبه للأبناء أكثر من حبه لهن، وإنما هو لحاجتهم، ونحو ذلك مما يحفظ به ودهم وعدم حصول فرقة وقطيعة رحم بينه وبينهم أو بينهم وبين الأبناء، فقد قص الله علينا خبر إخوة يوسف فقال: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ {7}، إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {يوسف:8}،. فحسدوه لمجرد توهمهم وجود عاطفة زائدة من أبيه نحوه دونهم، ولذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مبدأ العدل بين الأبناء، وقال: أيسرك أن يكونوا إليك في يالبر سواء؟ رواه مسلم: في لفظ: أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى.
فإن كان الأولاد فقراء -كما ذكرت- والبنات متزوجات، فإن ذلك مما يستثنى من حالة وجوب العدل، إذ لا منافاة حينئذ بينهما، فإعطاء الفقير لا ينافي العدل عند ترك الغني، فليس للبنات حينئذ المطالبة بعوض أو أجر بعد وفاة الوالد لكونه فعل ما يجوز له.
وإن كانت الهبة للأبناء على سبيل التميلك بأن كان الأب ملك كل واحد منكم الشقة التي يسكنها، فإنها تكون ملكاً له ولا تدخل في الميراث بعد موت الوالد، وأما إذا كان ذلك على سبيل المنحة والعارية فستؤول بعد موته إلى التركة، ويعطى كل وارث حقه منها.
والله أعلم.