الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يجوز للأبوين أن يعتصرا ما وهباه لأبنائهما من العطايا التي لم يقصدا بها الصدقة عليهم أو لم تكن لعوض. ما لم يتزوج الأبناء أو يفوتوا الهبة أو يغيروها أو يداينوا عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم وصححه الترمذي.
وفي حالتك الخاصة فالظاهر من السؤال أنه لا يحق لأمك الرجوع في الشقة التي وهبت لك إلا برضاك، لأنك أحدثت في الهبة تغييراً بينا قبل أن تسترجعها منك، وقد نص أهل العلم على أن ذلك من الأمور التي تفوت اعتصار هبة الوالد من ولده.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وله أي الأب أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير (وكذلك الأم) ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثاً، قال العدوي: أي حادثاً ينقصها في ذاتها أو يزيدها فإنها تفوت عليه. اهـ ممزوجاً بشرح النفرواي.
ولذلك، فإن اعتصار الأم لهذه الشقة من ابنها فات عليها بما أحدثه فيها من التغيير البين، وإذا تنازل عنها فله الحق في الرجوع بما صرف عليها من أموال، ولا اعتبار في ذلك بتحول السوق أو ارتفاع العملة وانخافضها....، فلا يحق له إلا ما صرف على الشقة من مال دون النظر إلى تحول السوق أو ضعف العملة، لقول الحطاب عند قول خليل المالكي في المختصر: وإن بطلت فلوس فالمِثْل، أو عدمت فالقيمة فإنه يجب له الفلوس ما دامت موجودة ولو رخصت أو قلَّت.
وأما الهبة للبنت المتزوجة أو لغيرها فلا مانع منها شرعاً، فزواج أختك لا يمنع أمها أو غيرها أن تهب لها مبلغاً كبيراً، إذا وهبت الأم مقابله لبقية أبنائها وبناتها، لأن التسوية بين الأولاد واجبة على الراجح من أقوال أهل العلم، ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6242.
والله أعلم.