الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور: الأمر الأول: حكم العمل في البنك الربوي: وذلك حرام بلا شك لأن الربا من كبائر الذنوب كما هو معلوم، وفي العمل في البنوك الربوية إعانة على ذلك، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}. فالواجب على من يعمل في بنك ربوي أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك وأن يترك العمل فورا إلا إذا كان مضطرا لذلك بحيث لو لم يستمر في العمل لهلك أو قارب على الهلاك وليس له بديل من الحلال، كما يجب عليه خلال ذلك البحث المستمر عن البديل الحلال. وليس من الضرورة قضاء ديون النفس فضلا عن ديون الغير إلا في حالة ما إذا كان الغرماء سيضرونه بما لا يستطيع أن يتحمله كالسجن الطويل، أما النفقة الضرورية على الأم إذا لم يكن هناك من ينفق عليها فهي من الضرورات لكن الضرورة تقدر بقدرها وإنما يجوز العمل في الحرام لأجل ذلك إذا لم يكن هناك بديل من الحلال كما تقدم. وإذا لم تكن هناك ضرورة فيستوي في ذلك أن يصرف الراتب في الدين أو الملبس أو المأكل أو غير ذلك. والأمر الثاني: حكم الراتب الذي يتحصل عليه العامل في البنك الربوي: وهو حرام من حيث إنه لا يجوز له الإقدام على ذلك العمل وحلال من حيث إنه يتملكه ولا يلزمه التصدق به وذلك على الراجح من أقوال الفقهاء، وهو مذهب الجمهور من حنفية ومالكية وشافعية، حيث ذهبوا إلى أن العقد الذي فيه إعانة على الحرام محرم، ولكنه ليس بباطل، فينتقل فيه المعقود عليه من ذمة البائع إلى ذمة المشتري، وذلك خلافا للحنابلة القائلين بأن العقد باطل. والأمر الثالث: حكم صلاة وحج ودعاء من يعمل في البنك الربوي وغير ذلك من العبادات: وهي مقبولة إن شاء الله إلا أن الحج من مال حرام لا أجر فيه وإن كان صحيحا عند الجمهور، كما أن الذنوب والآثام قد تكون سببا في عدم استجابة الدعاء من الله تعالى. وأخيرا نوصيك أختي السائلة بقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2ـ3}. واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حالنا وحالك وأن يسهل أمرنا وأمرك وأن يجنبنا وإياك الحرام.
والله أعلم.