الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن البردة كساء يلتحف به، كذا قال صاحب اللسان.
وقد ذكر المؤرخون أن بردة النبي صلى الله عليه وسلم التي أعطى لكعب بن زهير بن أبي سلمى اشتراها معاوية من أولاد كعب بعشرين ألف درهم، وهي البردة التي كانت عند الخلفاء يتوارثونها شعاراً، كذا قال ابن حجر في الإصابة وابن الأثير في الكامل وابن خلدون في التاريخ والسيوطي في تاريخ الخلفاء.
وقيل إن البردة التي كانت عند الخلفاء يتوارثونها شعاراً هي البردة التي أعطى النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أيلة لما صالحهم واشتراها منهم أبو العباس السفاح بثلاث مائة دينار، فقد ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء عن الذهبي أنه قال في تاريخه: أما البردة التي عند خلفاء آل العباس، فقد قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم فاشتراها أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار.
قال السيوطي: قلت فكانت التي اشتراها معاوية فقدت عند زوال دولة بني أمية، وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفد رداء حضرمي طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثياب تلبس يوم الأضحى والفطر، في إسناده ابن لهيعة، وقد كانت هذه البردة عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوسا وركوبا وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم وأظن أنها فقدت في فتنة التتار فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: قال الحافظ البيهقي وأما البرد الذي عند الخلفاء فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أهل إيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم فاشتراها أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاث مائة دينار يعني بذلك أول خلفاء بني العباس وهو السفاح رحمه الله، وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف، كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه ويأخذ القضيب المنسوب إليه (صلوات الله وسلامه عليه) في إحدى يديه فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب ويبهر به الأبصار ويلبسون السواد في أيام الجمع والأعياد وذلك اقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر ممن يسكن الوبر والمدر، لما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر وفي رواية وعليه عمامة سوداء وفي رواية قد أرخى طرفها بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال البخاري ثنا مسدد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن محمد عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة كساء وإزاراً غليظاً فقالت قبض روح النبي في هذين، وللبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا قلت وهذه الأثواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا.
وظاهر كلام ابن كثير وابن تيمية والسيوطي فقد البردة، بل ذكر ابن تيمية أنه لم يعد شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً.
وقد ذكر بعض المؤرخين أنه يوجد بقصر طوب كابي الذي كان قصراً للسلاطين العثمانين بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم ومنها بردته، فقد أمر السلطان أحمد الأول بوضع بردة النبي صلى الله عليه وسلم فوق كرسي الحكم تيمنا وتبركاً، وغادر السلطان محمود الثاني الغرفة الخاصة نهائياً وبقيت لحفظ الأمانات المقدسة.
ويوجد مقال في موقع الإسلام اليوم يؤكد ذلك وعنوان المقال هو: اسطنبول تفخر بكونها مدينة الألف مئذنة.
والله أعلم.