الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمعت المجامع الفقهية المعاصرة على حرمة التأمين التجاري بأنواعه، وقد نقلنا شيئاً منها في الفتوى رقم: 7394 والفتوى رقم: 472، والفتوى رقم: 8215.
وما ذهب إليه بعض العلماء من جواز هذا النوع من التأمين خلاف قول الجمهور، وليس كل خلاف لقول جماهير العلماء معتبراً حتى يكون للمخالف دليل له حظ من النظر، قال الناظم:
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر
ولقد تتبع العلماء (وعلى رأسهم المجامع الفقهية) فوجودوا أن القائلين بالجواز قد تمسكوا بأدلة هي أوهن من خيط العنكبوت، وإن شئت فراجعها في كتاب/ معاملات مالية معاصرة، للأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير (حفظه الله).
ولو أن كل خلاف حصل من بعض العلماء لجماهيرهم اتخذ ذريعة لمخالفة رأي الجمهور دون نظر في أدلته، لأدى ذلك إلى ضياع الدين، والاستهانة بأحكامه، لاسيما في قضية خطيرة كقضية التأمين لاتصالها الوثيق بالربا الذي حرمه الله وتوعد فاعله.
وقد ذكرت أن أباك يقول إن حرمة التأمين مبناها أن الشركات القائمة عليه تتعامل مع البنوك الربوية، والحق أن التأمين محرم لذاته لما فيه من الغرر الفاحش، المؤدي لأكل أموال الناس بالباطل، وتعامله مع البنوك الربوية وصف يؤكد هذه الحرمة على قول من حرم التأمين (الجمهور) وينشيء الحرمة على قول من أباحه.
وبهذا تعلم أنه لا يجوز لوالدك العمل في هذا المجال، ويجب عليه ترك العمل فوراً، وما أنفقه والدك من راتب اقتضاه من هذا العمل في الماضى في حاجاته وحاجات من يعول ، فنرجو أن لا يكون عليه فيه شيء إذا تاب منه، كما بيناه في الفتوى رقم: 2292 أما المال المتبقي فالواجب عليه التخلص منه، كما بيناه في الفتوى المشار إليها.
ومن رحمة الله تعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن الحرج في دينه مرفوع، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 87}.
فقد أباح الله تعالى للمضطر ارتكاب ما نهي عنه بقدر ما يسد ضرورته، فقال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}.
وقال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْه {البقرة: 173}.
فإذا كان والدك لا يجد ما يكفيه ومن يعول إلا أن يعمل في هذا المجال، فلا نرى عليه في ذلك إثماً بشرط أن يجتهد في سبيل الحصول على عمل آخر مباح، وأن يتخلص من المال الزائد على حاجته، ولا شك أن شراء المسكن لمن لا يقدر على الاستئجار من الضرورات المعتبرة شرعاً.
أما بالنسبة لك، فإذا كان راتبك الذي تتقاضاه لا يكفيك ومن تعول مع عجزك عن القيام بعمل آخر يسد حاجتك فلا مانع من الأكل من مال أبيك بقدر حاجتك، وراجع الفتوى التالية: 23860.
والله أعلم.