الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر ابن حجر في الإصابة أن عكرمة بن أبي جهل كان من أشد الناس على النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه.
وذكر ابن كثير وغيره من أصحاب السير أنه كان أحد رجالات قريش الذين سعوا في التخطيط لمعركة أحد وكلموا أبا سفيان ومن كانت له تلك العير من قريش وطلبوا منهم الإعانة بمال العير على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ليدركوا منه ثأرهم وخرج بزوجته مع من خرجوا بزوجاتهم التماس الحفيظة وأن لا يفروا.
وكان على ميسرة الجيش القرشي يوم أحد، وكان من قادة المشركين يوم الخندق وممن اقتحم بفرسه الخندق، وكان يحرض بني كنانة وبني قريظة على القتال، وقد عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأمنه لما استأمنته له زوجته أم حكيم رضي الله عنها ثم أسلم، وكان من قادة المجاهدين في الجهاد بعد ذلك حتى أكرمه الله بالشهادة في فتوح الشام، هذا وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد ويأمر بما يراه صوابا ويعتبر حكمه الذي أقره الله عليه وحيا لأنه لا يقره الله تعالى على باطل كما أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وقد كان صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا حليما ولا ينتصر لنفسه ولكن عداء عكرمة وأشباهه من قريش لم يكن عداء لشخص النبي صلى الله عليه وسلم فقط وإنما كان عداء للدين الذي جاء به فهو قد عاش بينهم محبوبا محترما أربعين سنة وما ناصبوه العداء إلا بعد مجيئه بالوحي، وقد قال له ورقة بن نوفل كما في البخاري: لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وبناء عليه فإن شدته وإغلاظه المعاملة مع من حاربوا الدين أمر موافق للصواب وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ .
فقد كان صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ونبي الملحمة، وكل من الرحمة والشدة في وقته المناسب له من الحكمة المحمودة.
وراجع الفتوى رقم: 62889، والفتوى رقم: 63354 ففيهما بيان سبب إهدار النبي صلى الله عليه وسلم لدم بعض قريش يوم الفتح.
والله أعلم.