الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الدعوة إلى الله غير مقتصرة على الدروس التي تلقى في المساجد، بل ينبغي أن يوصل الداعية صوته إلى أبعد من الحاضرين فيها، فيبلغ صوته الآفاق بقدر المستطاع، وإن المتأمل في سيرة الأنبياء وأولي العزم من الرسل يجد أنهم قد بذلوا غاية الوسع في الدعوة إلى الله حتى أعذروا إلى ربهم، فهذا نبينا يدعو إلى الله من حضره من الناس، ثم يذهب إلى من لم يحضره في أسواقهم ونواديهم، ويعرض نفسه على القبائل في المواسم ونحو ذلك حتى بذل كل ما في وسعه في تعبيد الناس لربهم كما يحب ويرضى وتخليصهم من عبادة غير الله تعالى، ولم يكتف بدعوته المباشرة بل أرسل رسله إلى العالمين يدعوهم إلى الإسلام واستقبل الوفود، وجاهد صلى الله عليه وسلم حق الجهاد في إعلاء كلمة الله وتبليغ دعوة الإسلام إلى كل المعمورة حتى أتاه اليقين من ربه.
وهذا نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام يصور لنا القرآن بذله لوسعه في دعوة قومه واستفراغ طاقته في محاولة هدايتهم، قال تعالى حكاية عنه: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا {نوح: 5- 9}.
فهو يأتيهم في الليل والنهار، ويجهر بدعوته حيناً ويسر لهم بها حينا، وكلما فروا تبعهم ليسمعهم كلام الله، فيسدوا آذانهم من كثرة كلامه لهم، فيعرض عليهم اتباعه فيغطوا أعينهم حتى لا يروا، وهكذا الداعية الناصح لقومه، يبذل لهم كل النصح ويسمعهم كلمة الحق وإن كرهوا سماعها، ولا ينتظرهم حتى يأتوه.
وبالنسبة لأخيك، قومي أنت بنصحه، إما نصيحة غير مباشرة بأن تجعليه يسمع بعض الأشرطة أو يقرأ بعض المطويات التي فيها الزجر عن اقتراف المحرمات وتذكريه بالله، أو تنصحيه نصيحة مباشرة بلغة رقيقة حنونة ملؤها الشفقة عليه والخوف على مصيره، وأن لذات الدنيا فانية، ويذهب عبيرها ويبقى الذنب مسطوراً في صحيفة عمله، واستعيني في نصحه بالفتاوى ذات الأرقام التالية: 1256، 3605، 6617، 59061.
واتخذي بعض التدابير المذكورة في الفتوى رقم: 64616.
والله أعلم.