الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذهب إليه التابعي الجليل القاسم بن محمد من جواز الصور التي لا ظل لها قول مرجوح، وقد بين ذلك ابن حجر في فتح الباري فقال: قال النووي: وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل، وأما ما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقاً، وهو مذهب باطل، فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك، ومع ذلك فأمر بنزعه. قلت -ابن حجر-: المذهب المذكور نقله ابن أبي شيبة عن القاسم بن محمد بسند صحيح ولفظه عن ابن عون قال: دخلت على القاسم بن محمد وهو بأعلى مكة في بيته، فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء، ففي إطلاق كونه مذهبا باطلاً نظر، إذ يحتمل أنه تمسك في ذلك بعموم قوله: إلا رقما في ثوب؛ فإنه أعم من أن يكون معلقاً أو مفروشاً، وكأنه جعل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة تعليق الستر المذكور مركباً من كونه مصوراً ومن كونه ساتراً للجدار، ويؤيده ما ورد في بعض طرقه عند مسلم، فأخرج من طريق سعيد بن يسار عن زيد بن خالد الجهني قال: دخلت على عائشة.. فذكر نحو حديث الباب؛ لكن قال: فجذبه حتى هتكه وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قال: فقطعنا منه وسادتين. الحديث.
فهذا يدل على أنه كره ستر الجدار بالثوب المصور، فلا يساويه الثوب الممتهن ولو كانت فيه صورة، وكذلك الثوب الذي لا يستر به الجدار.
والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدنية، وكان من أفضل أهل زمانه، وهو الذي روى حديث النمرقة، فلولا أنه فهم الرخصة في مثل الحجلة ما استجاز استعمالها، لكن الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك يدل على أنه مذهب مرجوح، وأن الذي رخص فيه من ذلك ما يمتهن لا ما كان منصوبا. اهـ
والله أعلم.