الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المادة التي خلق منها الملائكة هي النور، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلقت الملائكة من نور.
والملائكة خلق من خلق الله، لهم صفات خاصة، ولا يتصفون بالذكورة والأنوثة، ثم إن الله أعطاهم القدرة على التشكل بغير أشكالهم.
وعلى هذا، فيمكن للفتاة أن ترى الملائكة في صورة بشر، سواء أكانت بالغة أم غير بالغة، ولكننا لا نستطيع الجزم بأن ما يراهم بعض الأشخاص هم من الملائكة، فإن إثبات أنهم ملائكة متوقف على وحي من الله عز وجل، وسيأتي أن أمر الملائكة لم يتبين لإبراهيم ولوط عليهما السلام حتى أخبرتهم الملائكة فباقي الناس أولى بعدم التبين.
ومما يثبت أن الملائكة قد يرون على شكل البشر أن الله أرسل جبريل إلى مريم في صورة بشر رجل، قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {مريم: 19}.
وإبراهيم عليه السلام جاءته الملائكة في صورة بشر رجال، ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم، قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {الذاريات: 24-28}.
وجاءوا إلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه، وضاق لوط بهم، وخشي عليهم قومه، فقد كانوا قوم سوء يفعلون السيئات، ويأتون الذكران من العالمين: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ {هود: 77}.
يقول ابن كثير: تبدى لهم الملائكة في صورة شباب حسان امتحاناً واختباراً حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وقد كان جبريل يأتى الرسل صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي (صحابي كان جميل الصورة) وتارة في صورة أعرابي.
وقد شاهده كثير من الصحابة عندما كان يأتي كذلك.
في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. وفي الحديث أنه سأله عن الإيمان والإحسان والساعة وأمارتها.
وقد أخبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد أن السائل جبريل: جاء يعلم الصحابة دينهم.
ورأت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم واضعاً يده على معرفة فرس دحية الكلبي يكلمه، فلما سألته عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ذلك جبريل، وهو يقرئك السلام.
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وأنه لما هاجر تائباً جاءه الموت في منتصف الطريق إلى الأرض التي هاجر إليها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فحكموا فيه ملكاً جاءهم في صورة آدمي، يقول عليه السلام: فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له.
ولابد أنهم حكموه بأمر الله، فأرسل الله لهم هذا الملك في صورة آدمي، والقصة في صحيح مسلم، في باب التوبة.
وكذلك قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الذين ابتلاهم الله من بني إسرائيل، الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك تشكل لهم بصورة بشر، وانظري الفتوى رقم: 62515.
هذا، ولم يرد في الكتاب والسنة أن الملائكة قد تشكلت في صورة إناث، وإنما الوارد كما سبق أن تشكلهم في صورة بشر كان على هيئة الرجال.
والله أعلم.