الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول: قد ذكرنا الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز السجود على الفراش ونحوه مما يوضع على الأرض، وهذا مما حصل عليه الاتفاق بين أهل العلم، وإنما اختلفوا في جواز السجود على ما يتحرك بحركة المصلي مما هو محمول له، فأجازه الجمهور ومنعه الشافعية .
وأما القول بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما هو نابت منها من غير المأكول والملبوس فلا دليل عليه ولا قائل به من العلماء المعتبرين، ولا بد أن نقول هنا بأن السلف أعلم منا وأفهم لأدلة الكتاب والسنة وأحرص على العمل بهما، فلانأت بقول لم نسبق إليه، فقد قال أحمد لأحد تلاميذه : إياك أن تقول قولاً ليس لك فيه سلف، وهو محمول على ما تكلموا فيه لا ما استجد من المسائل كما نص عليه الأسنوي، ولا يصح رد الأحاديث الصحيحة التي استدلوا بها على جواز السجود على الفرش دون أن يكون القائم بذلك أهلا للكلام.
ثم إن قولك أخي الكريم الأحاديث التي بها لفظ فراش ، من رواتها عروة بن الزبير والذي توفي عام 94 للهجرة أي أنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم قط ، فكيف له أن يروي عن عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ إذن فالرواية ساقطة أساساً ولايصح الاستدلال بها أو إيرادها. أهــ
قول خاطئ تماماً فقد قررت فيه عدم صحة رواية عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم . ونقول: متى كان شرطاً في التابعي أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم لتصح روايته عن الصحابي، ولو قلنا بذلك لم يصح حديث، وهذا من أبطل الباطل، وإذا بطل ذلك فالرواية التي استندنا إليها في صحة السجود على الفرش صحيحة، ووجه الدلالة أن عائشة رضي الله عنها كانت معترضة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما توضع الجنازة أمام المصلي، فإذا سجد غمز رجلها لترفعها فيسجد، وهذا يدل دلالة واضحة على أن سجوده كان على الفراش في المكان الذي كانت عليه رجلاها، ولو قدر أنه ليس هناك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على فرش أو أقر السجود عليه أو صرح بجواز ذلك فليس هناك دليل يمنع من ذلك ويبطل صلاة من سجد على فرش، وغاية ما في الأحاديث المذكورة أن السجود على الأرض أفضل، ولما كان مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية منشغلاً بإسعاف المستفتين ببيان ما يحتاجون إليه معتمداً في ذلك على الأدلة الشرعية ومستنيراً بفهم الأئمة لها، فإننا نورد لك نقلاً واحداً ونكتفي به عن مناقشة كل ما ورد في سؤالك من الأحاديث من حيث الصحة وصواب الدلالة لأن ذلك يطول .
ففي تحفة الأحوذي: قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة. وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روي عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه. كذا في الفتح ص 243 ج 1. وقال الشوكاني في النيل : والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كان من الخرق أو الخوص أو غير ذلك ، سواء كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط؛ لما ثبت من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة . وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأفلح : يا أفلح ترب وجهك أي في سجوده . قال العراقي : والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض، وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض فأمره بنزعه . انتهى . قوله: وفي الباب عن أم حبيبة وابن عمر وأم سلمة وعائشة وميمونة وأم كلثوم بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ولم تسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما حديث أم حبيبة فأخرجه الطبراني . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وأحمد والبزار . وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني . وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأبو داود . وأما حديث ميمونة فأخرجه الجماعة إلا الترمذي . وأما حديث أم كلثوم فأخرجه ابن أبي شيبة كذا في النيل . قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ميمونة (وبه يقول بعض أهل العلم ) قال الشوكاني في النيل : قد ذهب إلى أنه لا بأس بالصلاة على الخمرة الجمهور : قال الترمذي : وبه يقول بعض أهل العلم ، وقد نسبه العراقي إلى الجمهور . انتهى
فحديث (ترب وجهك ... ) لا دلالة فيه إلى ما تريد أن تصل إليه، بل لو أخذ به على ظاهره لما صح السجود إلا على التراب لا على الصلب من الأرض كالحصى ونحوها .
وفيما ذكرنا كفاية للجمع بين الأحاديث التي أوردتها في سؤالك .
والله أعلم .