الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أوجهاً في قوله تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {المؤمنون: 14} أهمها:
الأول : أن الخلق هنا بمعنى الصنع، فالمعنى: تبارك الله أتقن الصانعين. وهذا جار على لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعــــ ض القوم يخلق ثم لا يفري
الثاني: أن الخلق بمعنى التقدير، فإنه سبحانه هو أحسن المقدرين جل وعلا.
الثالث: أن المعنى: أن الله تعالى هو أحسن الخالقين في اعتقادكم وظنكم.
الرابع: وهو أحسنها: أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى، فخلق الله -جلَّ وعلا- إيجاد من العدم، وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين أنه يقال للمصورين يوم القيامة: أحيوا ما خلقتم. ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم، إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى.
وأيضًا: فالعبد لا يمكنه فعل شيء إلا عند وجود الإرادة الجازمة والقدرة التامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله -عزَّ وجلَّ-، وخالق السبب التام خالق للمسبَّب.
ولهذا كان من اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق للعباد وأفعالهم، كما قال ربنا: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات: 96}.
والحاصل: أن الخلق الذي هو الإيجاد من العدم صفة يختص بها الله تعالى، كما قال: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {النحل: 17}، وقال تعالى: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {فاطر: 3}.
والله أعلم