الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يلطف بأمك هذه وأن يجعل ما تعانيه سببا لغفران ذنوبها . ونوصيك أنت أن تحرص على الإحسان إليها بالحرص على ما يسرها ، والبعد عما يسوؤها قولا وفعلاً ، ففي الحديث الشريف : رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف قيل من يارسول الله ؟ قال : من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة . رواه مسلم وأحمد . وتذكر أخي في الله ما تحملته والدتك من المشاق والمتاعب بسببك أيام الحمل والوضع والرضاعة والحضانة حتى كبرت، أفما يحسن بمن تحملت منك هذه المعاناة كلها مع كمال الحب لك والعطف والرحمة والرفق والحرص على مصالحك أن تحرص أنت بعد ضعفها على الرفق بها والإحسان إليها والتلطف بها والعناية والرحمة بها والقيام بمصالحها .
وإن الله تعالى أكد الوصية بالأم خصوصاً ، وذكرنا بما عانته فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: 14 } وقال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا {الأحقاف: 15 }
فعليك أخي في الله أن تحرص على رضاها ففيه رضا الله وفي سخطها سخط الله كما في الحديث : رضا الله في رضا الوالدين ، وسخط الله في سخط الوالدين . رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه الألباني . وعليه فإنا ننصحك بالمجيئ إليها والقيام بشؤونها إن أمكن ذلك . وإن كنت لا تستطيع ذلك لما ذكرته من ظروفك، فإن أمكنك أن تتزوج إحدى قريباتك لتجعلها معها وكانت تلك الزوجة راضية بانفصالك عنها طيلة المدة التي لا تستطيع فيها العودة إلى بلدك ، وكنت ترسل إليها ما تحتاجه لنفسها ولأمك ، كان هذا الحل أولى من وضعها في مستشفى الأمراض النفسية من غير أن يكون معها من يقوم بحاجاتها ، وإذا لم تجد أي حل غير الحل الذي سألت عنه ـ وضعها في مصحة الأمراض النفسية ـ فلا مناص إذًا من الأخذ به لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
والله أعلم .