الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نال القرآن الكريم من العناية والحفظ والدراسة والاهتمام ما لم ينله أي كتاب على وجه البسيطة مصداقاً لقوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر : 9 } ، فنجد أعلام هذه الأمة من الصحابة الكرام ومن بعدهم يضبطون ويحددون مكان وزمان وأسباب نزول سوره وآياته ، فهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول : والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ، ولا نزلت آيه من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه . رواه البخاري ومسلم . فالعناية بالقرآن الكريم عند السلف الصالح ليست مسألة تراث أو تاريخ وحسب إنما هي فوق ذلك مسألة دين وعقيدة .
وقد اعتمد الفقهاء في معرفة القرآن المكي والمدني على منهجين أساسيين منهج الرواية والسماع ، والمنهج القياسي العقلي الاجتهادي . كما وضعوا ضوابط لأسلوب كل مرحلتين فأسلوب القرآن المكي يتسم بقصر الفواصل والإيجاز والزجر والإنذار والألفاظ القارعة وإقامة الحجج والبراهين العقلية القاطعة على البعث وضرب الأمثلة على ذلك ، كما يظهر فيه التحدي لعرب الجاهلية على فصاحتهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن كما يكثر فيه الحديث عن قصص الغابرين وهلاك المكذبين .
وأما الأسلوب المدني فيتميز بطول الفواصل والحديث عن الأحكام الشرعية بالتفصيل والدعوة إلى الجهاد ووضع قواعد المجتمع المسلم والحديث عن العلاقات بين أفراده ، وعن المنافقين وكشف مكرهم ، كما يتسم بالحديث عن العلاقات بين الأمم والدول وأهل الكتاب وتحريفهم لكتبهم .
وهذا من حيث العموم وقد وضعوا ضوابط ومميزات بالاستقراء أخص لكل سورة فقالوا : كل سورة فيها سجدة فهي مكية ، وكل سورة فيها لفظ (كلا) فهي مكية ولم يرد هذا اللفظ إلا في النصف الأخير من القرآن فقد ذكرت ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة . وكل سورة فيها ( يا أيها الناس ) وليس فيها ( يا أيها الذين آمنوا ) فهي مكية إلا سورة الحج . وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية إلا سورة البقرة . وكل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية إلا سورة البقرة أيضاً ، وكل سورة تفتح بحروف التهجي (آلم ... حم ) فهي مكية سوى الزهراوين البقرة وآل عمران . وأما ضوابط القرآن المدني بالاستقراء : فكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية . وكل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية إلا سورة العنكبوت . وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 24862 .
والله أعلم.