الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد مر الزواج بغير المسلمين رجالاً كانوا أو نساء -بعدة مراحل في بداية الإسلام- واستقر الأمر في النهاية على تحريم الزواج من غير المسلمين عموماً واستثني من ذلك زواج الكتابيات خاصة إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
ففي حجة الوداع سنة عشر من الهجرة نزل قول الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة:5}، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 9894.
والحكمة من ذلك أن أهل الكتاب يلتقون مع المسلمين في كثير من أمور الدين فإذا اقتربوا منهم وكانت القوامة واليد العليا للمسلمين صحح ذلك الكثير من الأخطاء والمفاهيم التي عندهم عن الإسلام والمسلمين فكان ذلك وسيلة لإسلامهم وإسلام أقاربهم ومن له صلة بهم وخاصة إذا كان زوج الكتابية صاحب خلق ودين... ومن الحكم أن المسلم يحترم دين الكتابية ونبيها فلا يصدر منه ما يؤذيها في دينها... وبالعكس من المسلمة إذا تزوجها الكتابي فإنه لا يحترم دينها ولا يؤمن بنبيها فلا يؤمن أن يجرح شعورها ويؤذيها في دينها. وإذا كان الإسلام لا يريد أن يجبر زوجة المسلم على اعتناق الإسلام بل يقرها على البقاء على دينها ويأمر بالعدل معها والإحسان إليها بالمعروف فإنه لا يحق لها إظهار الكفر والمخالفات الشرعية في بيت زوجها المسلم أو تربية أبنائه على دينها، كما أنه يفرض على الأبناء اتباع الإسلام والانتساب إلى أبيهم، وعلى أمهم أن تعلم هذه الحقيقة من البداية فلا يحق لها تربيتهم وتنشئتهم على غير الإسلام.
ولا يجوز للأب ترك أبنائه يتربون على غير الإسلام ولا يجوز له أن يسمح لأمهم بتوجيههم إلى دينها... وكون الأم ألصق بالطفل من الأب لا يجيز لها ذلك تربيتهم على غير الإسلام، ولا يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية ليست مأمونة على الأبناء وعلى نفسها. ولا شك أن الابتعاد عن نكاح الكتابيات على العموم أفضل، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 5315.
والله أعلم.