الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإسلام بريء من هذه التصرفات والتفرقة بين المسلمين سواء كان على أساس اللون أو العرق أو البلد مع أن هذه التصرفات إن ثبتت فهي نادرة لا يحكم على عامة المسلمين وليست ظاهرة منتشرة، بل إننا ولله الحمد لم نر شيئاً منها رأي العين . ثم إن اختلاف الألوان آية من آيات الله تعالى الدالة على توحيده وعظيم قدرته، يقول الله تعالى : وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ {الروم : 22}
قال الشوكاني عند تفسير هذه الآية : واختلاف ألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة ، مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة ، ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية ، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم ، لا يلتبس هذا بهذا ، بل كل فرد متميز عن غيره ، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعلمه إلا العالمون .
وقال الله تعالى مبيناً بعض آياته وقدرته في اختلاف ألوان الناس والجبال والحيونات والنباتات : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {فاطر: 27 ـ 28 }
والتفاضل بين الناس إنما يكون بالتقوى، فالناس كلهم من آدم، وأكرمهم في ميزان الله هم أهل التقوى، يقول الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات : 13 }
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية : قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب ، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى أن قال : قال مسلم رحمه الله : حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم . ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان عن كثير بن هشام به . انتهى
وأخرج الإمام أحمد عن أبي نضرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر ، إلا بالتقوى ... وروى الإمام أحمد أيضاً وأبو داود رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، مؤمن تقي وفاجر شقي ، أنتم بنو آدم ، وآدم من تراب ، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن .
فالمسجد بيت الله، والمسلمون فيه سواسية، ليس لبعضهم أن يؤخر بعضاً، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل الرجل من مجلسه، فقال: لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه. رواه مسلم
قال النووي في شرح صحيح مسلم : فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث . انتهى
فعلى هؤلاء وغيرهم ممن يتصرف هذا التصرف ويستهزئ بعباد الله تعالى أن يتقي الله ويحذر عقوبة الله ، ولبيان خطر الاستهزاء بعباد الله يرجى الاطلاع على الفتوى رقم : 35551 . وعلى الإخوة الذين يتعرضون لمثل هذه التصرفات أن يعتزوا بإسلامهم فهو النسب الذي لا ينقطع والعز الذي لا يضاهيه عز . ولا يتخلفوا عن صلاة الجماعة وليصلوا في المكان الذي تيسر لأن في ذلك رضى الله تعالى .
والله أعلم .