الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان يكتب في صحيفة الأعمال كل شيء صدر عن الإنسان، أم أنه لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب، قال القرطبي في تفسيره: قال ابن الجوزاء ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه. وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه...
وفي روح المعاني للألوسي عند تفسير قول الله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ. قال: ... والمراد بالسر هنا حديث النفس أي بل أيحسبون أنا لا نسمع حديث أنفسهم بذلك الكيد، ونجواهم أي تناجيهم وتحادثهم سرا. وقال غير واحد: السر ما حدثوا به أنفسهم أو غيرهم في مكان خال، والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي. بلى نسمعهما ونطلع عليهما، ورسلنا الذين يحفظون عليهم أعمالهم لديهم ملازمون لهم يكتبون، أي يكتبونهما أو يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال التي من جملتها ما ذكر... وإذا كان المراد بالسر حديث النفس فالآية ظاهرة في أن السر والكلام المخيل مسموع له تعالى، وكذا هي ظاهرة في أن الحفظة تكتبه كغيره من أقوالهم وأفعالهم الظاهرة، ولا يبعد ذلك بأن يطلعهم الله تعالى عليه بطريق من طرق الاطلاع فيكتبوه. انتهى.
ثم إن المؤاخذة بالوسوسة وحديث النفس هي من الآصار التي كانت على بعض الأمم السابقة، وجاء في كتب التفسير أنهم اليهود والنصارى. قال الطبري في تفسيره: كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا يعني: على اليهود والنصارى الذين كلفوا أعمالاً، وأخذت عهودهم ومواثيقهم على القيام بها، فلم يقوموا بها فعوجلوا بالعقوبة. انتهى.
وأما قولك: ولماذا سيؤاخذون؟ فجوابه أن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وننبه الأخ الكريم إلى أن معرفة ما إذا كان حديث النفس يكتب أو لا يكتب، ومَن الأمم المؤاخذة بالوسوسة، ليست من المسائل التي يحتاج إليها المسلم في عبادته، وبالتالي ينبغي أن لا تكون هي الشغل الشاغل لباله، وأن لا تكون سببا لخوفه.
والله أعلم.