الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأم إذا فرطت في رعاية أولادها ، وأهملت تربيتهم ، وتسببت في حرمانهم من والدهم من غير مسوغ شرعي فهي بذلك قد أساءت التصرف ، ومع هذا كله فالواجب على الأولاد برها والإحسان إليها ، وذلك لأن مقام الأم مقام عظيم ، وقد نوه الشرع بمكانتها ، فهي قد تحملت متاعب حمل هذا الولد في بطنها ، ومتاعب وضعه وإرضاعه صغيراً، قال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا {الأحقاف: 15} وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الأم فجعل لها ثلاثة أرباع البر ، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال: ثم من ؟ قال : أمك ، قال: ثم من ؟ قال : أمك ، قال: ثم من ؟ قال : ثم أبوك . فالواجب على ولدها برها والإحسان إليها وإن أساءت إليه في أمر ما ، إذ إن إساءتها إليه لا تسقط عنه برها .
وقد أحسنت أخي الكريم في كونك لم تشعر أمك بشيء من سخطك عليها ، وهذا من الواجب ، ونرجو أن تنال به الأجر العظيم من الرب الكريم ، والواجب عليك الاستمرار معها على هذا الحال ، وأما الدعاء عليها فلا يجوز إذ إن دعاء الولد على الوالدين منكر عظيم ونوع من العقوق ، ولا يبرره إساءة الوالد إلى الولد ، بل إنه يعارض ما أرشد إليه القرآن وأدب به الولد بتوجيهه إلى الدعاء للوالدين قال تعالى : وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 24} فإذا كنت مأموراً بالدعاء لها فكيف تلجأ إلى الدعاء عليها ؟! ومثل هذا الدعاء لا يستجاب لأنه دعاء بإثم وقطيعة رحم ، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم . ففي دعائك عليها خسرانك الدنيا والآخرة ، فالواجب عليك الانتهاء عن ذلك ، وينبغي أن تجتهد في نسيان ما قد حدث من أمك ، وإن أردت رضا الله تعالى والجنة فالزم أمك واجتهد في برها ، وتدبر معنا هذا الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن معاوية السلمي رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ، قال: ويحك ! أحية أمك ؟ قلت: نعم . قال : ارجع فبرها . ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت : يا رسول: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ، قال: ويحك ! أحية أمك ؟ قلت: نعم يا رسول الله قال : ارجع إليها فبرها . قال : ثم أتيته من أمامه فقلت : يارسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ، قال: ويحك أحية أمك ؟ قلت: نعم يارسول الله قال : ويحك الزم رجلها فثمّ الجنة .
والله أعلم .