الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن رضاع أخيك مع هذه المرأة من زوجة خالك لا يحرمها عليك أنت ما دمت لم تشاركها في الرضاع، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى كما في المنهاج على صحيح مسلم بن الحجاج في شرح هذا الحديث: هذه الأحاديث متفقة على ثبوت حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبداً، ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة.
ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه فلا يتوارثان، ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر، ولا يعتق عليه بالملك، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها، ولا يسقط عنها القصاص بقتله.. فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام.
وأجمعوا أيضاً على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأنه في ذلك كولدها من النسب لهذه الأحاديث.
وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة أو وطئها بملك أو شبهة فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع، ويصير ولداً له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته، وتكون إخوة الرجل أعمام الرضيع، وأخواته عماته، وتكون أولاد الرضيع أولاد الرجل، ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن علية، فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة واحتجوا بقوله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ {النساء:23}، ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرهما في النسب، واحتج الجمهور بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة، وقوله صلى الله عليه وسلم مع إذنه فيه أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، وأجابوا عما احتجوا به من الآية أنه ليس فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما، لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه لو لم يعارضه دليل آخر، كيف وقد جاءت هذه الأحاديث الصحيحة.
والله أعلم.