الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم طاعة الولد لوالديه إذا أمراه أو أحدهما بطلاق زوجته، فمنهم من ذهب إلى أن ذلك لا يلزمه، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الزواجر: ولكن لو كان -الوالد- في غاية الحمق أو سفاهة العقل، فأمر أو نهى ولده بما لا يعد مخالفته فيه في العرف عقوقاً، لا يفسق ولده بمخالفته حينئذ لعذره، وعليه فلو كان متزوجاً بمن يحبها فأمره بطلاقها، ولو لعدم عفتها، فلم يمتثل أمره لا إثم عليه كما سيأتي التصريح به عن أبي ذر رضي الله عنه، لكنه أشار إلى أن الأفضل طلاقها امتثالاً لأمر والده، وعليه يُحمَل الحديث الذي بعده: أن عمر أمر ابنه بطلاق زوجته فأبى، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بطلاقها.
وكذا سائر أوامره التي لا حامل عليها إلا ضعف عقله وسفاهة رأيه، ولو عرضت على أرباب العقول لعدوها أموراً متساهلا فيها، ولرأوا أنه لا إيذاء لمخالفتها، هذا هو الذي يتجه إليه في تقرير ذلك الحد. انتهى.
وقال الإمام ابن رجب في جامع العلوم: وسأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها فقال: إن كان بر أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها فلا يفعل. انتهى.
ومنهم من ذهب إلى أنه يلزم الولد طاعة والديه في طلاق زوجته، وممن ذهب إلى هذا الإمام السبكي في رسالة صغيرة له في ذلك.
قال الإمام المناوي في فيض القدير: ولو أمر بطلاق زوجته قال جمع: امتثل لخبر الترمذي عن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني بطلاقها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: طلقها. قال ابن العربي في شرحه: صح وثبت، وأولُ من أمر ابنه بطلاق امرأته الخليل وكفى به أسوة وقدوة. ومن بر الابن بأبيه أن يكره من كرهه وإن كان له محبا، بيد أن ذلك إذا كان الأب من أهل الدين والصلاح يحب في الله ويبغض فيه، ولم يكن ذا هوى. قال: فإن لم يكن كذلك استحب له فراقها لإرضائه ولم يجب عليه كما يجب في الحالة الأولى، فإن طاعة الأب في الحق من طاعة الله، وبره من بره. انتهى.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: (قوله: طلق امرأتك) هذا دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها، وإن كان يحبها، فليس ذلك عذراً له في الإمساك، ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 1549 ففيها ترجيح عدم وجوب طاعة الوالدين إذا أمرا بطلاق الزوجة.
وعليه.. فتلطف في إقناع والدتك بهذا الزواج، وأن صلاح البنت لا يؤثر عليه أخلاق أمها.
والله أعلم.