الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن نبين لك أن الخمر كانت مباحة في أول الإسلام ، وأن تحريمها كان بتدرج ، وبمناسبة حوادث متعددة ، فإن الناس قبل تحريمها كانوا مولعين بشربها ، وأول آية نزلت تتكلم عنها هي قوله تعالى : وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا {النحل: 67 } ففي هذه الآية الكريمة نجد كيف أن القرآن باسلوبه الدقيق أشار بوضع المقابلة بين السكر والرزق الحسن ، إلى أن السكر ليس من الرزق الحسن وإنما هو نقيض ذلك ، وأول ما نزل صريحاً في التنفير منها قول الله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219 } فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير ، ولم يتركها بعضهم وقالوا نأخذ منفعتها ونترك إثمها ، فنزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى {النساء: 43 } فتركها بعض الناس وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة ، وشربها بعضهم في غير أوقات الصلاة حتى نزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة: 90 } فصارت حراماً عليهم ، حتى صار يقول بعضهم : ماحرم الله شيئاً أشد من الخمر ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يشرب الخمر ولو قبل تحريمها، بل ولم يمارس قط شيئاً من أمور الجاهلية كما ثبت في سيرته الشريفة ، والحديث الذي جئت به في سؤالك ليس فيه دليل على ما ذكرته ، وإنما يستفاد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب النبيذ الذي لم يقارب الوصول إلى حال السكر ، وكنا قد بينا من قبل إباحة شرب النبيذ فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم : 19795 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ، معناه: ألا غطيته كما ذكر النووي وغيره ، ويدل له قوله بعد ذلك : ولو تعرض عليه عوداً ، ونرجو أن يكون في هذا الجواب ما يزيل حيرتك .
والله أعلم .