الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا مانع من دفع مصروفات إدارية (قرطاسية) على القرض بشرط أن تكون هي المصروفات الفعلية دون زيادة عليها، لأن الزيادة ربا ولو كانت قليلة، فالقاعدة أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، قال في الشرح الصغير للدرديري: والأجرة أي أجرة الكيل أو الوزن أو العد عليه، أي على البائع، إذ لا تحصل التوفية إلا به بخلاف القرض، فعلى المقترض أجرة ما ذكر، لأن المقرض صنع معروفاً فلا يكلف الأجرة، وكذا على المقترض في رد القرض والأجرة بلا شبهة. انتهى.
وقد ذكرت أن هذه السلفة المالية تقترن بها فوائد زائدة عن المصروفات التي أخبروكم بها في بداية الأمر، وهذا ربا بغض النظر عن الاسم الذي سمته به الدولة، فلا يجوز تعاطيه لأنه قرض جر نفعاً وهو محرم باتفاق العلماء.
والأصل في المنع من مثل هذه القروض، ما رواه البخاري عن أبي بردة قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت، ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا.
ولا يخفى أن الفوائد المذكورة داخلة في ذلك، وينبغي للمسلم أن يحذر من أكل الربا وتعاطيه، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:278-279}، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28876، 8881، 15088، 10959.
وما ذكرناه هنا ينطبق على كل مسلم في حال السعة والاختيار، أما إذا عرضت للمسلم ضرورة ولم يجد ما يسدها من طرق الكسب المشروعة، فقد أباح الله تعالى للمضطر أن يأخذ بقدر سد حاجته، فقال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة:173}، وقال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}، ولمعرفة حد الضرورة التي تبيح الربا للزواج أو لغيره راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1420، 6933، 25124، 10959، 9666، 43085.
وبما أنكم حصلتم على القرض فعلاً، فإن كان ذلك سداً لضرورة على النحو الذي قدمناه في هذا الجواب وفي الفتاوى التي أحلنا عليها، فلا نرى عليكم شيئاً سوى المسارعة بتسديد الأقساط عند القدرة على ذلك مع عدم المساس بسد الضرورة التي اقترضتم من أجلها، لأن سداد الأقساط قبل حلولها يسقط الفوائد المترتبة عليها، وهذا مطلوب شرعاً.
أما إذا كان اقتراضكم لا يدخل في حد الضرورة على ما قدمنا فالواجب عليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى وأن تندموا على ما فعلتم، وأن تعزموا على عدم العودة إليه في المستقبل، وأن تردوا المال في الحال إذا كان ذلك سيؤدي إلى إسقاط الفوائد، ولو أدى ذلك إلى إغلاق المشروع، لعدم وجود ما يبرر لكم الاستمرار في هذا الفعل الآثم، فإن لم يكن ذلك سيؤدي إلى إسقاط الفوائد فلا يلزمكم إلا التوبة.
والله أعلم.