الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كنتما قد اتفقتما مسبقا على الأجرة الشهرية ( الراتب ) وعلى ساعات العمل التي عملت بها وأعطاك صاحب المحل ما اتفقتما عليه ، فما أخذته من مال هذا الشخص ليس من حقك وما فعلته يعتبر من الخيانة والله تعالى يقول : إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ {الأنفال: 58 } فيجب عليك مع التوبة إلى الله رده لصاحبه ولو بطريقة غير مباشرة ، لأن اتفاقكما ملزم لكما ما لم تتوافقا على تغييره ، والمسلم مطالب بالوفاء بالعهود والعقود لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {الأنفال: 1 } ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : المسلمون على شروطهم . رواه أبو داود والترمذي وصححه هو والألباني ، قال العظيم آبادي والمباركفوري في شرح الحديث: أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها.
وإن كان عليك ظلم بموجب هذا العقد فإنه يحق لك رفع هذا الظلم بطرق شرعية ، كأن تصارح صاحب المحل بما أحسست به من هضم لحقوقك ، خاصة أنك ذكرت في سؤالك أنه مسرور منك جدا ، فإن أبى إعطاءك حقوقك فلك أن تبحث عن عمل عند غيره ، فالله الذي يسر لك هذا العمل قادر على أن ييسر لك غيره ، أو تصبر على ما أنت فيه حتى تظفر بعمل آخر ، أو غير ذلك من الأساليب الشرعية ، إلا أنه لا يجوز لك الاتفاق مع صاحب المحل على أمر ثم تأخذ بعض أمواله وهو قد استأمنك عليها بحجة أنه ظلمك .
وأما إن كان صاحب المحل قد خالف العقد الذي بينكما فصار لا يعطيك حقوقك التي اتفقتما عليها ، فحينئذ يجوز لك أن تأخذ حقك ، إلا أنه يجب عليك أن تتحرى الدقة وأن لا تتجاوز الحق الذي لك ، فمن تجاوز وأخذ حق غيره فإنما يأخذ قطعة من النار ، كما ثبت في حديث أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلىَّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار . رواه البخاري ومسلم ، وقد توسعنا في ذكر خلاف العلماء في هذه المسألة في الفتوى رقم : 28871 ، فراجعها ، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم : 36045 ، والفتوى رقم : 6022 .
وأما ما أصابك من مرض فقد يكون ذلك عقوبة وابتلاء كما سبق أن بينا في الفتوى رقم : 40942 ، وقد جاء فيها :دل الشرع على أن المصائب والبلايا قسمان :
الأول : عقاب على الذنوب والمعاصي ، قال الله تعالى : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30 } وقال الله تعالى : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران: 165 }
الثاني : ابتلاء محبة ورضى ، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يصب منه . رواه البخاري وغيره ، وقال صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله قوما ابتلاهم . رواه أحمد ، وقال الأرناؤوط إسناده جيد ، وبناء على هذا فلا يجوز لأحد الجزم بأحد الاحتمالين بدون دليل ، وإلا كان ممن قال الله فيهم : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء: 36 }
كما ننبهك إلى أنه لا ينبغي أن تقول عن نفسك بأنك لم تفعل صغيرة ولا كبيرة منذ صغرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون . رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني .
والله أعلم .