الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقصة التي ذكرتها الأخت السائلة لا تصح سنداً فقد رواها ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عوف بن مالك ، قال ابن كثير في البداية والنهاية عن هذا السند: وهو منقطع بل معضل. فالقصة أصلاً لا تصح ولم نجد لها سنداً متصلاً صحيحاً .
وأما أخذ الجزار أجرته من لحم الذبيحة؟ فقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى عدم جواز ذلك، قال عليش المالكي في كتابه ( فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك ): لا يجوز الاستئجار على الذبح والسلخ بجانب من لحمه لما فيه من الجهل بصفة اللحم ، إذ لا يدري هل تصح ذكاتها أم لا . اهـ
فسبب المنع هو الجهل بصفة اللحم، ومن المعلوم أن من شروط صحة الإجارة العلم بالأجرة. وذهب بعض الفقهاء أيضاً إلى أنه لا يصح أن تكون الأجرة جزءا يحصل بعمل الأجير، لحديث أبي سعيد الذي رواه الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان.
وفسر بأن تجعل أجرة الطحن قفيزاً من المطحون ، وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم بين مثبت له ومضعف، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث باطل لا أصل له وليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة . وقال: ضعيف بل باطل فإن المدينة لم يكن فيها طحان ولا خباز .... الخ .
والحاصل أن أخذ الجزار أجرته من لحم الذبيحة لا يصح عند أهل العلم للجهل بصفة اللحم ، ولم يرد في ذلك نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا في غير الهدي والأضحية ، وأما في الأضحية والهدي فلا يجوز أن يعطى الجزار أجرته منها لورود النص بذلك . فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ له عن علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها، وقال : نحن نعطيه من عندنا . قال ابن قدامة في المغني: لأن دفع جزء منها عوضاً عن الجزارة كبيعه، ولا يجوز بيع شيء منها. اهـ .
والله أعلم .