الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر لك تواصلك معنا واهتمامك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن يرينا وإياك الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
وأما ما ذكرتِه عن عامل النظافة في بعض البلاد الغربية وأنه لا ينظر إليه بازدراء، بل بنظرة إجلال وإكبار خلاف غيرهم ممن ينظرون إليه عكس تلك النظرة.فنقول: إن مرد ذلك إلى الأعراف وترتيب المجتمع للأعمال المهنية فبعضها يراه حسنا وبعضها يراه دون ذلك، وقد يلحظ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: كسب الحجام خبيث.. رواه مسلم فقد أقره صلى الله عليه وسلم على عمله مع دناءة وخسة ما يتكسب به لحاجة المجتمع إلى من يقوم بتلك الأعمال، وقد سخر الله تعالى لها أناسا ليحصل التكامل في المجتمع فقال: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف: 32} ومعناه ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا وهذا إلى هذا قاله السدي وغيره كما نقل ابن كثير. وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فجعل منهم أقوياء وضعفاء وأغنياء ومحاويج فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة، ورفع بذلك بعضهم فوق بعض، وجعل بعضهم محتاجا إلى بعض ومسخرا له.اهـ ولتفاوت الأعمال وتفاضلها قال صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم. رواه ابن ماجه وصححه الألباني، قال المناوي في فيض القدير: ومعناه أن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات وتحسنوا السعي في نصيبكم منها..
ولم يهمل الإسلام شأن النظافة بل جعلها من الإيمان ففي الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.. وعند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء أو رجلا كان يقم المسجد ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقيل مات فقال: ألا آذنتموني به، قال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليه. صححه الألباني وفي هذا الحديث لفتة كريمة منه صلى الله عليه وسلم إلى عظيم صنع ذلك الرجل أو الأمة وهو كناسة المسجد، وهكذا نظر الإسلام إلى ذلك العمل الجليل وفي كتاب الزهد لهناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن منذر أبي يعلي قال كان الربيع بن خثيم يكنس الحش بنفسه فقيل له في ذلك إنك تكفى هذا فيقول إني أحب أن آخذ بنصيبي من المهنة. فليس في رفع الأذى حرج، وما أجمل أن يتطوع المرء فيلقي ما يعترض طريقه من أذى فيؤجر على ذلك، ولا ينظر إليه أحد بعين الازدراء كما تقولين، وكذا أن يفعل ذلك ببيته أو مكتبه أو شارعه أو مسجده ونحوه .أما أن يخدم الكافر في تنظيف نفسه أو بيته فهذا من المهانة للمسلم والذلة له، ولا يجوز أن يكون كذلك مع الكافر؛ ولذا نص الإمام أحمد على حرمة خدمة المسلم للكافر، وعلل ذلك ابن قدامة رحمه الله تعالى فقال: ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله واستخدامه..بخلاف ما لو أجره على عمل معين في الذمة كخياطة ثوب ونحوه فهو جائز بغير خلاف..انتهى منه بتصرف. وانظري الفتوى رقم:29138، فلا حرج أن يعمل المسلم عند الكافر فيما لا ذلة فيه ولا مهانة، ويتفاوت ذلك بحسب العمل ونظرة المجتمع إليه وحاجة الشخص العامل نفسه.
والله أعلم.