الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمصافحة الأجنبية محرمة لما ثبت فيها من الأخبار الصحيحة ، روى معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له . رواه الطبراني والبيهقي ، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
وكنا قد بينا هذا الحكم من قبل فراجع فيه فتوانا رقم : 1025 ، وليس للمسلم أن يتنازل عن شيء من تعاليم الدين الحنيف ، لأن الإسلام كل متكامل لا يصح أخذ البعض منه دون البعض ، وقد ذم الله اليهود لإيمانهم ببعض الكتاب وعملهم به وكفرهم بالبعض الآخر وترك العمل به قال تعالى في وصف هؤلاء : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {البقرة:85 } فلا يجوز للمسلم إذا ممارسة شيء حرمه الله إلا إذا عرضت له ضرورة تبيحه له ، وذلك للقاعدة المعروفة (( الضرورات تبيح المحظورات )) والضرورة تقدر بقدرها ، ودليل هذه القاعدة بضابطها قول الله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173 } وقد عرف العلماء الضرورة بأنها " بلوغ الإنسان حدا إن لم يفعل الممنوع هلك أو قارب ، كالمضطر للأكل بحيث لو بقي جائعا لمات ، أو تلف منه عضو ، أو فقد جارحة ، فهذا يبيح له تناول المحرم ، وقد أباح الله النطق بالكفر لمن اضطر إلى ذلك قال تعالى : مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ {النحل: 106 } فإذا أباح الله النطق بالكفر عند الاضطرار فغيره من المعاصي أولى لأنه معصية أكبر من الكفر ، ومن القواعد المفرعة على هذه القاعدة " المشقة تجلب التيسير " و " إذا ضاق الأمر اتسع" .
والله أعلم .