الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 15945، بعض الأدلة على فضل المبادرة إلى دخول المسجد وانتظار الصلاة فيه، كما ثبت أيضا في الحديث الصحيح أن أداء النافلة في البيوت أفضل من أدائها في المسجد، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم قال صلى الله عليه وسلم: فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم:
فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا وبه قال الجمهور، وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل، قال جماعة من السلف: الاختيار فعلها في المسجد كلها، وقال مالك والثوري: الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت. ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة وفيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم يصلي سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار مع قوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. وهذا عام صحيح صريح لا معارض له، فليس لأحد العدول عنه والله أعلم. قال العلماء: والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها إن عرض فيها نقص؛ كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود وغيره، ولترتاض نفسه بتقديم النافلة ويتنشط بها ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة، ولهذا يستحب أن تفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين؛ كما ذكره مسلم بعد هذا قريبا. انتهى
ولا تعارض بين أفضلية أداء الراتبة في البيت والتبكير إلى المسجد، فبإمكان المسلم أداؤها في بيته بعد دخول وقت الصلاة ثم يبادر إلى المسجد والمرابطة فيه منتظرا للفريضة مع تعمير وقته بالنافلة أو تلاوة القرآن أو ذكر الله تعالى. ومن المعروف عند علماء الأصول ضرورة الجمع بين الدليلين إذا أمكن ذلك لأن إعمالهما معا أولى من إلغاء أحدهما، ففي التقرير والتحرير لابن أمير الحاج:
ومنع التخصيص يفضي إلى إلغاء أحدهما وهو الخاص، وإعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما. انتهى
والله أعلم.