الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصحيح أن الحج واجب على الفور، فمن توفرت فيه شروط الاستطاعة البدنية والمالية وأمن الطريق لزمه الحج فورا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : تعجلوا إلى الحج ــ يعني الفريضة ــ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له . رواه أحمد .
وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال : قال عمر رضي الله عنه : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة فلم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ، ما هم بمسلمين .
وروى الإسماعيلي عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : من أطاق الحج فلم يحج ، فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا . قال ابن كثير رحمه الله : وهذا إسناد صحيح إلى عمر .
وهذا كله يدل على وجوب الحج على الفور ، وما دام الأمر كذلك فإن توفرت فيك شروط الاستطاعة فالواجب عليك المبادرة إليه ، وخاصة أنك قد بلغت هذا العمر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين .
فابدأ بنفسك أولا ، فإن أنبت والحالة هذه من يحج عن والديك ممن قد حج عن نفسه قبل أن تحج أنت فالحج عنهما صحيح مجزئ إلا أنك مخطئ بتأخير حجك عن نفسك . وهنا ثلاثة أمور :
الأول : أن الأرض التي خلفها والدك إذا كانت زائدة عن حوائجه في حياته وكان بإمكانه بيعها ليحج بثمنها ولم يفعل فإن الحج يكون قد ثبت في ذمته ويجب أن يناب من يحج عنه منها والباقي يكون إرثا ، وأما إن كان محتاجا إليها في حياته فلا يكون الحج قد وجب عليه ويكون إعطاؤك المال لمن يحج عنه إحسانا منك إليه وبرا به تثاب عليه ، ولمزيد الفائدة في هذا تراجع الفتوى رقم : 68012 .
الثاني : أن العمل الذي تعمله لا يجوز لأن فيه إعانة على المحرم والواجب عليك البحث عن عمل آخر في أقرب وقت ممكن، ولا يجوز لك البقاء في هذا العمل إلا لضرورة؛ كما بيناه في الفتوى رقم : 33520 .
الثالث : أن الحج بالمال الحرام لا يجوز وإن كان يصح لو حصل، بل لا بد أن تكون نفقة الحج من الكسب الطيب؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا؛ كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم : 7666 .
والله أعلم .