الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يمن على والدك بالهداية وأداء ما أوجب الله عليه، فالزكاة نماء للمال وطهرة للنفس وبركة وسعادة في الدنيا والآخرة وهي تزيد المال ولا تنقصه. قال تعالى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ {البقرة: 272} وقال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {سبأ:39}
وأبلغ والدك أن هذا المال الذي يكنزه سيكون وبالا عليه يوم القيامة، حيث إنه سيعذب به، قال صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.. رواه مسلم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. رواه البيهقي وغيره.
وأما الأكل من ماله فقد اختلف العلماء في الأكل من طعام من أكثر ماله حرام، والمختار أن من كان جميع ماله من الحرام حرم الأكل منه، وإن كان ذلك هو الغالب، أو الأكثر: كره، إلا أن يكون طعامه قد اشتراه بعين المال الحرام فيحرم.
وعليه.. فعدم إخراج والدك للزكاة يحرم عليه التصرف في ماله ببيع ونحوه قبل أن يخرج الزكاة لأن في ماله جزءا لا يملكه وهو قدر الزكاة على قول من يقول بأن الزكاة تتعلق بعين المال وهو الأصح عند الشافعية رحمهم الله، وإن كان الأصح عندهم صحة بيع ما زاد على قدر الزكاة. قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: هل تجب الزكاة في الذمة ؟ أو في العين؟ فيه قولان: الجديد الصحيح: في العين. والقديم: في الذمة، هكذا ذكر المسألة أصحابنا العراقيون ووافقهم جمهور الخراسانيين على أن الصحيح تعلقها بالعين.
وعلى القول بتعلقها بالعين فإنه لا يجوز له التصرف في ماله قبل إخراج الزكاة منه، فإن تصرف بأن باع كله أو أبقى دون قدر الزكاة فإنه البيع يبطل فيما زاد على قدر الزكاة في الأصح، وإن أبقى قدر الزكاة فأكثر صح البيع في الجميع كما نص على ذلك ابن النقيب في عمدة السالك. وقال الشمس الرملي في النهاية: وهي أي الزكاة تتعلق بالمال الذي تجب في عينه تعلق شركة بقدرها إن كان من الجنس كشاة من أربعين شاة وهي الواجب شاة لا بعينها، أو شائع أي جزء من كل شاة وجهان أقربهما إلى كلام الأكثرين. الثاني: إذ القول بالأول يقتضي الجزم ببطلان البيع للمال لإبهام المبيع, وعلى الوجهين للمالك تعيين واحدة منها أو من غيرها، ومن القيمة إن كان من غيره كشاة في خمس من الإبل, فإذا تم الحول شاركه المستحق فيها بقدر قيمة الشاة الواجبة وذلك لأن الواجب يتبع المال في الصفة حتى يؤخذ من المراض مريضة... ولأنه لو امتنع من الزكاة أخذها الإمام من العين؛ كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة, وإنما جاز الأداء من مال آخر لبناء الزكاة على الرفق، ومن ثم لم يشارك المستحق المالك فيما يحدث منها بعد الوجوب.
وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الزكاة تتعلق بالذمة لا بالمال فيجوز له ويصح منه التصرف في ماله ببيع ونحوه، ويكون آثما لكونه لم يخرج الزكاة. قال ابن قدامة في المغني: ويجوز التصرف في النصاب الذي وجبت الزكاة فيه, بالبيع والهبة وأنواع التصرفات, وليس للساعي فسخ البيع.
وقال أبو حنيفة تصح, إلا أنه إذا امتنع من أداء الزكاة نقض البيع في قدرها.
وقال الشافعي: في صحة البيع قولان; أحدهما, لا يصح; لأننا إن قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين, فقد باع ما لا يملكه, وإن قلنا تتعلق بالذمة, فقدر الزكاة مرتهن بها, وبيع الرهن غير جائز.
وعلى كلٍ فلا حرج عليك في الأخذ من مال أبيك أو الأكل مما اشترى منه، إنما الخلاف هل يكره الأكل من ماله لأنه اختلط ما يملكه بما لا يملكه أو لا يكره؟.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم 6880.
والله أعلم.