الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت تعلم أن البرامج التي تقوم بالمشاركة في إصدارها ستستخدم في عمل محرم ، فلا يجوز لك المشاركة في إصدارها ، وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد فكل وسيلة موصلة إلى محرم ومعصية تكون محرمة قطعا ، والله جل وعلا يقول : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2 }
وعليك عند التيقن أو غلبة الظن باستخدام هذه البرامج في شيء محرم أن تترك هذا العمل فورا وتبحث عن عمل غيره يسد حاجتك وحاجة من تعول ممن تجب نفقتهم عليك ، فإن لم يتيسر لك عمل غيره ولم يكن عندك مال تنفق منه على نفسك وعلى من وجبت عليك نفقته فلا مانع من البقاء فيه ، وإنما أبحنا لك البقاء في العمل مع حرمته للضرورة وذلك لقوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119 }
والذي يجوز لك أخذه في هذه الحالة هو ما يكفي لسد حاجتك ومن تعول ، لقوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173 } والقاعدة تقول : الضرورة تقدر بقدرها ، وقد نص بعض العلماء الشافعية كغيرهم على أن الحاكم الذي يقضي بين الناس يجوز له أن يتقاضى أجرا على ذلك من الخصمين للضرورة ، لأن الأصل عدم الجواز ، وشرطوا لذلك شروطا منها : أن يكون ما يأخذ غير مضر بالخصوم ولا زائد على قدر حاجته ، انظر فتاوى السبكي ، وقال النووي نقلا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه : وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا ، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم ، بل هم أول من يتصدق عليه ، أما إذا كنت تصمم هذه البرامج ولا علم لك بما تستخدم فيه ، أو غلب على ظنك أنها لا تستخدم في محرم فلا نرى مانعا من المشاركة في إصدارها والاستمرار في العمل الخاص بها .
والله أعلم .