الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسؤالك قد اشتمل على ثلاث مسائل ، وسنرد عليها على خلاف الترتيب الذي طرحتها أنت به .
الأولى : في حكم الكذب .
الثانية : في فسخ الإجارة .
الثالثة : فيما إذا كان لأصحاب الشقة الحق في أخذ أجرة منك بعد ما أجروها بعد خروجك منها .
وحول المسألة الأولى : فإن الكذب معصية ذميمة ولا يتصف به المؤمن بحيث يصير خلقا له ، روى مالك في موطئه من حديث صفوان بن سليم : أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكون بخيلا ؟ فقال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ فقال : لا .
وذكر أهل العلم بعض الحالات التي يباح فيها الكذب ، قال في دقائق أولي النهي : ويباح الكذب لإصلاح بين الناس ، ومحارب ، ولزوجة فقط ، قال ابن الجوزي : وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به . انتهى
وقال ابن القيم في زاد المعاد : يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه . انتهى
وبما أن ما ذكرته من الأسباب التي دعتك إلى الكذب ليست أعذارا تبيحه ، فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله من هذه المعصية التي وقعت فيها .
ثم إن الوفاء بالعقود واجب لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة: 1 } والإجارة عقد لازم كما هو معلوم .
وعليه فليس لك فسخ الإجارة إلا أن تتراضى مع الطرف الآخر على ذلك .
وحول النقطة الأخيرة : فإن تأجير الشقة لشخص آخر هو حق لك أنت لأنك أنت المالك للمنفعة في تلك المدة ولكن بما أنك فسخت العقد بالحيلة التي ذكرتها ، فإن الحق في تلك المنفعة يصير حقا لأصحاب الشقة ، من باب أن من قدر على شيئه فله أخذه ، وهو ما يعرف عند الفقهاء بمسألة الظفر .
والآن إذا كنت تريد التوبة النصوح فاعلم أن من تمامها أن تفي لمن استأجرت منهم الشقة بما بقي لهم من الحق ، أو تستحلهم من ذلك ، والذي يفي لهم هنا هو الفارق بين ما كان يجب عليك دفعه وما أخذوه من المستأجر الجديد .
والله أعلم .