الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه يجب -على الكفاية- أن يتوفر في بلاد المسلمين أصول الحرف جميعها، احتيج إليها أو لا، قال ابن تيمية: قال غير واحد من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم كالغزالي، وابن الجوزي، وغيرهم: إن هذه الصناعات فرض على الكفاية، فإنه لا يتم مصلحة الناس إلا بها. انتهى.
وقد اختار ابن تيمية وغيره -وهو الراجح- أن احتراف بعض الحرف يصبح فرض كفاية إذا احتاج المسلمون إليها، فإن استغنوا عنها بما يجلبونه أو يجلب إليهم فقد سقط وجوب احترافها، فإذا امتنع المحترفون عن القيام بهذا الفرض أجبرهم الإمام عليه بعوض المثل. قال ابن تيمية: إن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها إلا الإنسان بعينه صارت فرض عين عليه، إن كان غيره عاجزاً عنها، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجباً يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل. انتهى.
ولما كان إقامة الصناعات فرض كفاية كان توفير المحترفين الذين يعملون في هذه الصناعات فرضاً، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهو ما ذهب إليه الشافعية، قال القليوبي في حاشيته ما مفاده: يجب أن يُسلم الوليُّ الصغيرَ لذي حرفة يتعلم منه الحرفة. انتهى.
ورغم أن الحنفية والمالكية والحنابلة لم ينصوا على وجوب دفع الولي الصغير إلى من يعلمه الحرفة إلا أن كلامهم يقتضي ذلك، وهذا يعني أن الذي يطلب منك أن تعلمه حرفتك يختلف حكمه باختلاف حاله، فإذا كان سيتعلمها دون حاجة المسلمين إليها بحيث وجد غيره ممن يؤدى به فرض الكفاية، فلا يجب عليك في هذه الحالة تعليمه، أما إذا كان المسلمون في حاجة إلى تعلمه هذه الصنعة ولم يوجد غيرك يعلمها له أو وجد لكنه امتنع عن تعليمه، وجب عليك أن تستجيب لطلبه، فإن وجد أحد غيرك يعلمه سقط عنك الوجوب، ولا عبرة في كل الأحوال برغبتك في الانفراد بالصنعة، لأن الضرر العام يفتدى بالضرر الخاص، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 26934.
والله أعلم.