الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج أن توقف على أمك أو تهبها بعض مالك، بل إن ذلك من إكرامها والبر بها ، ولكن الصورة التي تنوي القيام بها وهي أن تعلق ذلك بموتك فلا تنتفع الوالدة من الوقف إلا حين تموت أنت هذه الصورة غير صحيحة ولا تمضي لأنها تعتبر وصية لوارث ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث . رواه الترمذي والدارقطني ، ولا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة ، وانظر الفتوى رقم : 2609 ، والفتوى رقم : 16916 ، ولكن يمكنك فعل ذلك إذا وهبتها نصيبك في التركة وملكتها إياه أو نجزت الوقف ولم تعلقه بموتك بأن توقف عليها غلة نصيبك من التركة فتنتفع بها حال حياتك ، وننبهك إلى أن شرط العمر باطل عند الجمهور من الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، فلو قلت وقفتها عليك مدة عمرك فإنها تكون لها وإذا ماتت تنتقل إلى ورثتها ولا تعود إليك أبدا ، قال الشافعي رحمه الله في الأم : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه جعل العمري للوارث ، ومن حديث جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعمروا, ولا ترقبوا, فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث . وهو قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة ابن الزبير رضي الله عنهم وبه أقول. قال المزني رحمه الله: معنى قول الشافعي عندي في العمرى أن يقول الرجل قد جعلت داري هذه لك عمرك أو حياتك أو جعلتها لك عمري أو رقبي ، ويدفعها إليه فهي ملك للمعمر تورث عنه إن مات.
وفي المبسوط للسرخسي الحنفي: باب العطية ، وإذا قال الرجل لغيره قد أعمرتك هذه الدار وسلمها إليه فهي هبة صحيحة لحديث ابن الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فمن أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته بعده ، وروى سلمة عن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى بالعمرى للمعمر له ولعقبه بعده ، وقال عليه الصلاة والسلام : من أعمر عمرى قطع قوله حقه ، يعني قطع قوله : وهبت لك عمرك حقه في الرجوع بعد موته ، والمعنى فيه : أنه ملكه في الحال والوارث يخلفه في ملكه بعد موته ، فشرط الرجوع إليه بعد الموت فاسد ، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة.
وقال ابن قدامة في المغني: مسألة وإذا قال : داري لك عمري ، أو وهي لك عمرك ، فهي له ولورثته من بعده.
وفي الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على مشروعية العمرى ، إلا أنهم اختلفوا في قبولها التأقيت ، فذهب الحنفية ، والشافعية في الجديد ، وأحمد إلى جواز العمرى للمعمر له حال حياته ، ولورثته من بعده ، وصورة العمرى : أن يجعل داره للغير مدة عمره ، وإذا مات ترد عليه ، فيصح التمليك له ولورثته ، ويبطل شرط العمر الذي يفيد التأقيت عند جمهور الفقهاء ، أما عند مالك والشافعي في القديم : فالعمرى تمليك المنافع لا تمليك العين ، ويكون للمعمر له السكنى ، فإذا مات عادت الدار إلى المعمر ، فالعمرى من التصرفات المؤقتة عندهم.
إذن فلك أن تهب لأمك أو توقف عليها من مالك ما تشاء ، ولكن لا تعلق ذلك بموتك لئلا تكون وصية لوارث .
والله أعلم .