الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الرشوة من الكبائر المحرمة في شريعة الإسلام لما فيها من الاعتداء وأكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ {البقرة:188}، ولقد عاب الله تعالى على اليهود أكلهم الربا والرشوة، فقال: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ {النساء:161}، وقال: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ {المائدة:42}.
ولما فيها كذلك من أضرار عظيمة وبالغة بالمجتمع، فإن الرشوة إذا انتشرت وعمت وصارت هي الطريق الموصل للحقوق انسدت الأبواب أمام الفقراء والعاجزين وضاعت حقوقهم، وفي الحديث: لا قدست أمة لا يأخذ ضعيفها حقه غير متعتع . رواه ابن ماجه.
هذا وإذا كان بعض أهل العلم أجاز أن يدفع صاحب الحق شيئاً للوصول إلى حقه أو لدفع ضرر عنه فإنما أجاز ذلك للضرورة بحيث لا يستطيع أن يصل إليه إلا بدفع رشوة، فهذه الحالة استثناء من القاعدة وهي تحريم الرشوة، وهذا من واقعية الفقه الإسلامي، فماذا يفعل شخص لم يجد بداً ولا حيلة إلا أن يدفع عن نفسه أو ماله أو عرضه بمال يدفعه لهذا المعتدي.
وأما ما أشارت إليه السائلة في موضوع الزنا فشيء مختلف جداً فالضرر الحاصل على العازب بسبب عدم قدرته على الزواج لا يدفع بإباحة ارتكاب المعصية، فهذا لم تأت به الشريعة ولا تقول به العقول السليمة، قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري.
فأرشد العاجز عن الزواج إلى بديل يخفف عنه ما يجده من الشهوة ولم يأذن له بالزنا خشية الضرر فإن ضرر الفاحشة أعظم وأكبر من الضرر النفسي الذي قد يصيب العاجز عن الزواج، على أن هذا الضرر لا ينال إلا ممن عرض نفسه للفتنة، أما من عمر قلبه بذكر الله وغض بصره عن محارم الله فإنه يسلم من ذلك.
والله أعلم.