الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أنه ينبغي للولد إذا طلب منه أبوه ماله أن يبذله له طيبة به نفسه، ردا لبعض جميل معروف أبيه عنده. فهو الذي رباه وعطف عليه لما كان في أمس الحاجة إلى ذلك. ولذلك لما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله إن لي مالا ووالدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال: "أنت ومالك لأبيك" كما في سنن ابن ماجه عن جابر. وفي رواية له عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال إن أبي اجتاح مالي فقال: "أنت ومالك لأبيك, إن أولادكم من طيب كسبكم, فكلوا من أموالكم". وهذه الرواية أخرجها الإمام أحمد وأبو داود.
ومع هذا فمن واجب الأب أن يعدل بين أبنائه ولا يفضل بعضهم على بعض، فإن ذلك يورث البغضاء والشحناء بين الأبناء، ويسبب عدم الرضا على الوالد، وربما كان سببا في فتنة الأبناء وعقوقهم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. رواه البخاري.
ولم نفهم جيدا الوجه الذي قلت إن أباك أخذ به المبلغ الذي ذكرت أنه أخذه منك، لكنك على أية حال، إذا كنت قد أخذت في تسديده فقد أحسنت. لأنك إن كنت قد أخذته بغير حق، فمن واجبك أن ترده، لما في الحديث الشريف من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أخرجه الترمذي.
وإن كان في علم الله أنه من حقك، فمن الورع أن ترده، لما روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعا: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس.
والله أعلم.