الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك وله ولجميع المسلمين التوفيق والسداد وأن يجزيك خير الجزاء ويعوضك خيراً مما تركت إنه سميع مجيب، ونقول لك أيتها السائلة الكريمة إن الدراسة من أصلها في تلك المدارس المختلطة إنما تجوز للضرورة وكذا التدريس فيها، وقد فصلنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 9017، والفتوى رقم: 41879.
وأما مقاطعتك لحصة ذلك المدرس المسلم لما يعرض فيها من أمور محرمة فهو الصواب والواجب في هذه الحالة وأحسنت حيث قمت بنصيحته، ووالله إن عذره أقبح من ذنبه ولا يفعل ذلك حرصاً على مصلحة أولئك كما يزعم وإنما إشاعة للمنكر وانسياقاً وراء الشهوة، وكان الواجب عليه وهو يؤمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبالبعث والنشور والجنة والنار والحساب وأنه مسؤول غداً بين يدي ربه عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه... إلخ، فكان الواجب عليه وهو يؤمن بذلك أن يرحم أولئك القوم فلا يقرهم على باطلهم وكأنه حق، بل يبين لهم مخاطر تلك الأشياء وما تجلبه من فساد أخلاقي في المجتمعات ويبين لهم محاربة الإسلام لتلك الأمور وأنه يمنعها, وإذا لم يفعل أفلا يستحي من أولئك الطلبة المسلمين فيعرض عليهم تلك المحرمات فيكون عونا للشيطان عليهم وعليه مثل ما سينجر عن ذلك من إثم، للحديث: ..... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواه مسلم.
فليتق الله تعالى في نفسه ومن معه من المسلمين الذين ألجأتهم الضرورة إلى ولوج تلك المدارس, وليكن عوناً لهم في تخفيف الشر وتقليله, لا عوناً لشياطين الإنس والجن عليهم وليعلم أنه مسؤول عن ذلك كله، فليعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً ولا يدري متى ذلك: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان:34}، فلا تغره الصحة ولا الشباب أو المال والجاه.
فكم من صحيح مات من غير علة * وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
نسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, وأن يأخذ بنواصينا للحق, وأن يباعد بيننا وبين معاصيه كما باعد بين المشرق والمغرب. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.