الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتصرف بأموال اليتيم مأذون فيه إذا كان فيه مصلحة ، وقد وردت به نصوص كثيرة من الشرع الحكيم.
قال الله جلا وعلا: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ
{البقرة : 220}.
وقال تعالى :وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {النساء :6}.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : أنزلت هذه الآية في ولي اليتيم : وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ . بقدر قيامه عليه .
قال ابن كثير : قال الفقهاء : له أن يأكل أقل الأمرين: أجرة مثله، أو قدر حاجته .
ثم إن أسئلتك الثاني والثالث والخامس متداخلة، لذا فقد ارتأينا أن نجيب عنها إجابة واحدة، فنقول : إن المال الذي يخصص لليتيم يكون ملكا له يصرف في مصالحه، ولا يجوز أن يؤخذ منه شيء إلابحق شرعي . والأخذ منه بغير حق شرعي كبيرة من الكبائر المهلكات.
قال تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا .{النساء : 2}
وقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا .{النساء : 10}
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من المهلكات الموبقات، ففي الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات .
وعلى هذا.. فيجوز لأم اليتيم التي ترعى شؤونه أو من يقوم بأمره أن يأكل من ماله بالمعروف إذا احتاج إلى ذلك لما قدمناه في جواب السؤال الأول، وأما بقية أفراد أسرة اليتيم أو اليتامى الآخرون الذين ليست لهم كفالات فلا يعطون من ماله الخاص به، وأحرى به إثما مبينا أن يزوج الأولاد الكبار ويحجوا بيت الله الحرام من مال اليتيم القاصر . ولا يجوز كذلك خلط كفالات الأيتام وصرفها من غير تمييز بينها لأن ذلك سيترتب عليه صرف بعض كفالات بعض منهم على بعض ، وهو لا يجوز لما قدمنا . والواجب على من ولي أمر الأيتام أن يعد سجلات لما يحصلون عليه من الكفالات وما تم صرفه منها . ثم إن تقسيم الأرض المشتراة بين الأيتام يكون بحسب ما يملكه كل واحد منها، أي بقدر ما دفع عن كل واحد من ثمنها ، وأما إقراض مال اليتيم أوتشغيله في تجارة فإن إباحة ذلك أو عدم إباحته يتبعان لما يراد منه من المصلحة لليتيم .
ثم إن كفالة اليتيم ليست واجبة إلا على من تعينت عليه؛ ولكن فيها من الأجر ما لا يعلم قدره إلا الله، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا . متفق عليه . وعليه.. فإن كنت تسأل عما إذا كان يجوز لمن كفل يتيما أن يقطع الكفالة عنه إذا ساء خلقه، فقد علمت أن الكفالة ليست واجبة أصلا، وغير الواجب يجوز تركه ولو لم يسؤ خلق اليتيم.
وأما إن كنت تسأل عما إذا كان للهيئة القائمة على رعاية الأيتام أن تقطع الكفالة عن بعضهم إذا ساءت أخلاقهم؟ فجوابه أن ذلك ليس لها ، وأن اليتيم إذا حصل على كفالة فإنها تصير ملكا له ، وليس من حق أي جهة إشرافية قطعها عنه ولو ساء خلقه .
والله أعلم