الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية القول فى حكم التبليغ خلف الإمام قائلا : لم يكن التبليغ والتكبير ورفع الصوت بالتحميد والتسليم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على عهد خلفائه ، ولا بعد ذلك بزمان طويل إلا مرتين : مرة صرع النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس ركبه فصلى في بيته قاعدا ، فبلغ أبو بكر عنه التكبير . كذا رواه مسلم في صحيحه . ومرة أخرى في مرض موته بلغ عنه أبو بكر ، وهذا مشهور . مع أن ظاهر مذهب الإمام أحمد أن هذه الصلاة كان أبو بكر مؤتما فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان إماما للناس ، فيكون تبليغ أبي بكر إماما للناس ، وإن كان مؤتما بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا قالت عائشة رضي الله عنها : كان الناس يأتمون بأبي بكر ، وأبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم . ولم يذكر أحد من العلماء تبليغا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هاتين المرتين : لمرضه . والعلماء المصنفون لما احتاجوا أن يستدلوا على جواز التبليغ لحاجة لم يكن عندهم سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا ، وهذا يعلمه علما يقينا من له خبرة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا خلاف بين العلماء أن هذا التبليغ لغير حاجة ليس بمستحب ، بل صرح كثير منهم أنه مكروه . ومنهم من قال : تبطل صلاة فاعله ، وهذا موجود في مذهب مالك وأحمد وغيره . وأما الحاجة لبعد المأموم ، أو لضعف الإمام ، وغير ذلك ، فقد اختلفوا فيه في هذه ، والمعروف عند أصحاب أحمد أنه جائز في هذا الحال ، وهو أصح قولي أصحاب مالك ، وبلغني أن أحمد توقف في ذلك ، وحيث جاز ولم يبطل فيشترط أن لا يخل بشيء من واجبات الصلاة.
وعليه فالتبليغ لغير حاجة غيرمشروع ، لكن الظاهر أن التبليغ الحاصل في الحرم مما تدعو إليه الحاجة لاتساع مساحة المسجد ووجود المصلين في الساحات والشوارع ، ولأنه قد يعرض للإمام عارض فجأة يمنع من رفع صوته بحيث يصل المكبر ، والمصلون خلفه آلاف مؤلفة فلو لم يكن هنالك مبلغ تعرضت صلاة كثير منهم إلى الاختلال والاضطراب .
والله أعلم .