الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقديما قالوا من اشتغل بغير فنه أتى بالعجائب ، وكم ينطبق هذا القول على كثير ممن ينسب إلى العلم وهو ليس من أهله ، لفقده الأسس التي يعتمد عليها من أراد التصدي للكلام في الأمور الشرعية ، فإن كان ثمة غرض من إثارة مثل هذه المسائل فالمصيبة أعظم والمحنة أكبر . ولا شك أن الواجب على العلماء نشر العلم الشرعي الصحيح المستمد من نور الوحي وبفهم سلف الأمة الصالح ، إذ بقصورهم في ذلك يجد أمثال هؤلاء "المفكرين" -زعموا- مرتعا خصبا لنشر أباطيلهم وترهاتهم ، وما أحسن ما ذكر الألوسي في تفسيره " روح المعاني " حيث قال : ولله تعالى در القائل : من الدين كشف الستر عن كل كاذب ، وعن كل بدعي أتى بالعجائب ، فلولا رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب . اهـــ
ومركز الفتوى بالشبكة الإسلامية ليس معنيا بتقييم الأشخاص ، وإنما يهدف إلى تبصير المسلمين بما يحتاجونه من أمر دينهم ، ومن هنا فإننا سنقف فقط عند المسائل التي وردت بالسؤال ، وبنوع من الاختصار .
المسألة الأولى: استحلاله الخمر: ولا ندري إن كان هذا القول ثابت عنه أم لا ؟ إذ المنقول عنه في ذلك أنه قال : الخمر لا تصبح أمر قانون إلا إذا تحولت لعدوان ، أي حد الخمر . وسواء قال هذا أو هذا فهو مخالف لإجماع الأمة على أن الخمر محرم ، قال ابن قدامة في المغني : الخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع فذكر أدلة التحريم ثم قال : فانعقد الإجماع فمن استحلها الآن فقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه علم ضرورة من جهة النقل تحريمه ، فيكفر بذلك ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتل . اهــ وتراجع الفتوىرقم : 12750 ، والفتوى رقم :7740، وأما تقييده إقامة حد الخمر بشرط العدوان فقول ليس له فيه سلف ، وقد عرف عنه حطه لفقه السابقين واجتهاداتهم ، ويوصم هذا بالفقه الموروث متنقصا له، ومن أراد أن يطلع على قوله في ذلك فليراجع كتابه : تجديد الفكر الإسلامي . وكتابه : تجديد أصول الفقه . ونصوص السنة وكلام علماء الأمة ترتب حد الخمرعلى مجرد شربها . روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين ، وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبدالرحمن : أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر . وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال : وكلٌ سنة ، وهذا أحب إلي . يعني الأربعين، وروى مالك في الموطأ عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال : إني وجدت من فلان ريح شراب ، فزعم أنه شرب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته ، فجلده عمر الحد تاما . قال الباجي في المنتقى في شرحه لهذا الأثر : وقوله : فإن كان يسكر جلدته ظاهر في أن ما يسكر عندهم يجب به عندهم الحد ، وإن لم يبلغ الشارب حد السكر ، فكيف يقال لا يحد إلا إذا سكر واعتدى ، والعدوان نفسه جريمة يستحق صاحبها العقاب ولو لم يكن شاربا للخمر.
المسألة الثانية: زعمه أن الحجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه تغطية للصدر فقط ، يقول الترابي في كتابه المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع : الحجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم لأن حكمهن ليس كحكم أحد من النساء ، ولا يجوز زواجهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن آية الحجاب نزلت في السنة الخامسة للهجرة ولم يتأثر بها وضع سائر المسلمات . وقد سبق أن بينا بالفتوى رقم :25323، أن فرض الحجاب عام على جميع المسلمات وليس خاصا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فلتراجع . وأما آية سورة النور: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { النور: 31 } وإن كانت دالة بطريق النص على تغطية الصدر فهي دالة على تغطية الرأس بطريقة الالتزام ، بل قال ابن كثير عند تفسيره هذه الآية : والخمر جمع خمار وهو ما يخمر به أي يغطى به الرأس ، وهي التي تسميها الناس المقانع . اهـــ وإنما نص على الصدر لكون نساء الجاهلية كن يظهرن صدورهن ولا يغطينها بشيء؛ كما ذكر ذلك أهل التفسير، والصدر من أعظم مواضع الفتنة .
المسألة الثالثة : إمامة المرأة للرجال ووقوفها معهم في صف واحد بلا التصاق : أما إمامة المرأة للرجال فلا تجوز، وقد بسطنا القول فيها بأدلته بالفتوى رقم : 60328، وأما وقوفها بجانب الرجل فلا يجوز ، التصقت به أم لا ، فقد دلت النصوص على تأخير صفوف النساء في المسجد، وهي مذكورة بالفتوى السابقة .
المسألة الرابعة: شهادة المرأة وأنها كشهادة الرجل في كل شيء، وهذا قول مصادم لما جاء به القرآن الكريم وصحت به سنة النبي الأمين، وتراجع الفتوى رقم : 16032، ففيها بيان حكمة الشرع في التفريق بين الرجل والمرأة في بعض أمور التشريع، ومنها شهادة المرأة على بعض الأمور ، وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم : 33323.
المسألة الخامسة: خروج المرأة من بيتها : لقد عرف عن الترابي التوسع في القول بجواز حضور المرأة محافل الرجال ومخالطتهم، وراجع في هذا كتابه : المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع . وهذا مخالف لما جاء به الشرع من أن الأصل قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها منه إلا لضرورة أو حاجة معتبرة شرعا . وتراجع الفتوى رقم : 34612، والفتوى رقم :7996،
وأما هذا الكلام المنسوب إلى جمال البنا من قوله إن الإسلام شرع الحجاب للحفاظ على رأس المرأة من الشمس والأتربة إن ثبت عنه فهو قول ساقط ، وحكايته تغني عن الرد عليه .
والله أعلم