الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد رخص الشرع للخاطب في رؤية من يريد خطبتها ، وحثه على السؤال عنها من يعرفها ، لكي يقدم على العقد إن أعجبته , ويحجم عنه إن لم تعجبه لخبر : إذا خطب أحدكم امرأة , فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل . وهذه الرخصة ، إنما تكون عند رجاء إجابتها وموافقتها ، قال ابن عبد السلام في قواعد الأحكام : قد ندب الشارع الخاطب إلى رؤيتها ليعلم ما يقدر عليه فيرغب في النكاح ويكون على بصيرة من الإحجام أو الإقدام، وإنما جوز ذلك ليرجو رجاء ظاهرا أن يجاب إلى خطبته دون من يعلم أنه لا يجاب , أو يغلب على ظنه أنه لا يجاب , وإن استوى الأمران ففي هذا احتمال من جهة أن النظر لا يحمل إلا عند غلبة الظن بالسبب المجوز . انتهى
وقال شهاب الدين الرملي الشافعي جاعلا ذلك شرطا في جواز النظر : ( وإذا ) ( قصد نكاحها ) ورجا الإجابة رجاء ظاهرا كما قاله ابن عبد السلام ; لأن النظر لا يجوز إلا عند غلبة الظن المجوز , ويشترط أيضا ... ( سن نظره إليها ) انتهى من كتاب نهاية المحتاج شرح المنهاج .
فإذا كان هذا الشاب يرجو أن يجاب لخطبته ، فلا بأس فيما فعله ، وكذا من أعطاه العنوان ، أما الإقدام على هذا العمل مع العلم بعدم رغبة المرأة في الزواج فلا يجوز لأنه وسيلة إلى الاطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، ولأن فيه استخدامه لهذه الرخصة في غير محلها ، فإنما شرعت لعلة وهي ديمومة النكاح ، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ قال : لا . فقال : اذهب فانظر إليها , فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . ومعنى يؤدم يدوم , وقيل من الإدام مأخوذ من إدام الطعام ; لأنه يطيب به ، وقد تكون نية الرجلين حسنة ولم يقصدا إيذاء الأخت ، ولذا ينبغي للأخت أن تحملهما على المحمل الحسن ، وأن تحسن بهما الظن .
والله أعلم.